ولذا أبى، رحمه الله أن يقبل مائتي دينار بعث بها محمد بن إبراهيم الهاشمي الذى كان واليا على مكة.
فقال ابن عيينة، وكان حاضرا في مجلسه (كأنك لا تراها حلالا) ؟ قال:(بلى ولكن أكره أن أذل) وقد عرض عليه قضاء الكوفة فلم يقبله أيضا لانه كان لا يحب أن يعين الحكومة التى بنيت على القهر والجبر.
وكذا كان لا يود أن يجعل نفسه عرضة لوعيد (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فأولئك هم الظالمون) لان حرية الفكر والعمل لم تبق في ذلك العهد، وكان العمال يحكمون بما أشار به السلاطين.
ولاجل هذا الزهد قد صار جريئا على القول بالحق واشتهر بين الناس بالقوال بالحق خروج الثوري من الكوفة ولما استخلف أبو جعفر المنصور وحج، لقيه الثوري بمنى (وكان ذلك قى سنة ١٤٠ أو ١٤٤) قال: فقلت: اتق الله.
فإنما انزلت هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والانصار، وأبنائهم يموتون جوعا حج عمر بن الخطاب، فما انفق الا خمسة عشر دينارا.
وكان ينزل تحت الشجر) فقال:(فإنما تريد ان أكون مثلك) .
فقال لى:(أخرج) .
فخرج الثوري من عنده.
ولما رجع الكوفة، جعل يأخذ عليه ما يفعل بالمسلمين من الجور والجبر والقهر.
فصبر أبو جعفر عليه مدة، وبالاخرة أمر بأخذه.
فخرج من الكوفة هاربا للنصف من ذى القعدة سنة ١٥٥ هـ (٧٦١ م) ولم يرجع إليها حتى مات.