كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: " كَانَ لَنَا غُلَامٌ قَدْ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فَأَبْلَى فِيهَا، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أُمِّي وَبَيْنَ أَخِي الْأَسْوَدِ، فَأَرَادُوا عِتْقَهُ، وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ الْأَسْوَدُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: " أَعْتِقُوا أَنْتُمْ، فَإِذَا بَلَغَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَإِنْ رَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ بِهِ أَعْتَقَ، وَإِلَّا ضَمِنَكُمْ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحَ الْإِسْنَادِ مَكْشُوفَ الْمَعْنَى، غَيْرَ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُخَالِفُهُ، مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَوْلَى مِنْهُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: قَدْ عَتَقَ نَصِيبُ مَنْ أَعْتَقَهُ مِنْهُ، وَبَقِيَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ مِنْهُ مَمْلُوكًا لَهُ، كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ الْعِتْقِ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالَّذِي صَحَّحْنَا عَلَيْهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى، فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ مِنْ وَلَاءِ الْعَبْدِ إِذَا كَانَ مُعْتِقُهُ ⦗٤٢٨⦘ مُعْسِرًا أَنَّهُ يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، وَلِمَنْ يَسْعَى لَهُ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ ذَكَرْنَا يَأْبَى ذَلِكَ، وَيَجْعَلُ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَهُ خَاصَّةً غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الْوَلَاءَ كَذَلِكَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا، وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ مُخَالِفِيهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ "، وَكَانَ هَذَا الْعَبْدُ إِنَّمَا عَتَقَ بِكُلِّيَّتِهِ، أَوْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ بِعَتَاقِ مَنْ أَعْتَقَهُ مِنْ مَالِكِيهِ بِعِتْقِهِ إِيَّاهُ، لَا بِالسِّعَايَةِ الَّتِي أَدَّاهَا، فَكَانَ مَعْقُولًا أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِمَنْ دَخَلَهُ الْعَتَاقُ مِنْ قِبَلِهِ، لَا لِمَنُ سِوَاهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ عَتِيقًا كُلَّهُ بِعِتْقِ مَنْ أَعْتَقَهُ مِنْ مَالِكِيهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْقُولًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَدِ انْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ الْعَتَاقِ، فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ عَتَاقٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِتْقِ مَالِكٍ كَانَ لِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا بِسِعَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ، لِمَنْ لَمْ يَعْتِقْهُ مِمَّنْ كَانَ يَمْلِكُهُ، وَقَدْ كَانَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ نَصِيبُ مَنْ أَعْتَقَهُ، وَتَبْقَى بَقِيَّتُهُ عَلَى مِلْكِ مَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ أَعْتَقَهُ مِنَ الْمَالِ مِقْدَارُ قِيَمِ أَنْصِبَائِهِمْ مِنْهُ، أَنَّهُ يَكُونُ مَا اكْتَسَبَهُ فِي يَوْمٍ سِوَاهُ لِمَنْ يَمْلِكُ بَقِيَّتَهُ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُوجِبُهُ الْمَعْقُولُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ لِنَفْسِهِ، إِنَّمَا يَكْتَسِبُ مَا يَكْتَسِبُ فِيهِ جَمِيعَهُ، مِمَّا بَعْضُهُ مَمْلُوكٌ، وَمِمَّا بَعْضُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ مَا يَكْتَسِبُهُ بِكُلِّيَّتِهِ يَرْجِعُ إِلَى حُكْمِ مَا كُلِّيَتُهُ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلَّذِينَ لَمْ يُعْتِقُوهُ، وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُرٍّ لِبَقَاءِ مِلْكِ الَّذِينَ لَمْ يُعْتِقُوهُ عَلَى مَا كَانُوا يَمْلِكُونَ مِنْهُ، فَيَكُونُ مَا يَمْلِكُهُ النَّصِيبَانِ جَمِيعًا عَلَى حُكْمِهِمَا لَا يَتَفَرَّدُ بِهِ نَصِيبٌ مِنْهُمَا دُونَ نَصِيبٍ، وَلَا يَكُونُ ⦗٤٢٩⦘ فِيمَا يَمْلِكُهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُ بِأَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، لِمَنْ يَمْلِكُهُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ، مِمَّنْ لَا يَمْلِكُهُ كُلَّهُ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ جَنَى عَلَى هَذَا الَّذِي هَذِهِ سَبِيلُهُ جِنَايَةً يُجِبُ لَهُ أَرْشٌ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ لَهَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي جُنِيَتْ عَلَيْهِ فِيهِ تِلْكَ الْجِنَايَةُ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ الْأَرْشُ لِنَفْسِهِ بِحَقِّ الْعَتَاقِ الَّذِي قَدْ دَخَلَهُ، وَلِمَنْ يَمْلِكُ بَقِيَّتَهُ بِحَقِّ الرِّقِّ الَّذِي لَهُ فِيهِ، أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أَمَةٌ، فَزُوِّجَتْ عَلَى صَدَاقٍ بِرِضَاهَا بِذَلِكَ، وَبِإِذْنِ مَنْ يَمْلِكُ بَقِيَّتَهَا لَهُ، أَفِي ذَلِكَ: أَنَّ الصَّدَاقَ فِي قَوْلِهِمْ يَرْجِعُ إِلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ عَتَاقٍ، وَمَنْ رِقٍّ، لَا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي هِيَ فِيهِ، مِمَّا يَسْتَعْمِلُ نَفْسَهَا فِيهِ بِالْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ دَخَلْتَهَا، وَيَسْتَعْمِلُهَا فِي خِلَافِهِ، مِمَّنْ يَمْلِكُ بَقِيَّتَهَا بِحَقِّ الرِّقِّ الَّذِي لَهُ فِيهَا؟ إِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ، وَمِنَ الْأَصْدِقَةِ فِي التَّزْوِيجَاتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا إِلَى أَحْكَامِ مَنْ وَجَبَ ذَلِكَ لَهُ، لَا إِلَى أَحْكَامِ الْأَيَّامِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ عَتَاقٍ، وَمِنْ رِقٍّ، كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْتَسِبُهُ يَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ عَتَاقٍ، وَمِنْ رِقٍّ، لَا إِلَى أَحْكَامِ الْأَيَّامِ الَّتِي يَكْتَسِبُهُ فِيهَا عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الْقَائِلُونَ فِيهِ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَا وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ مَا قَالُوا مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ، وَفِي انْتِفَاءِ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ ضِدِّهِ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ جَمِيعًا يَقُولَانِ فِي الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ الَّذِي ذَكَرْنَا إِذَا كَانَ مُعْتِقُهُ مِنْ أَحَدِ مَالِكِيهِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا، إِنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَةِ أَنْصِبَاءِ الَّذِينَ ⦗٤٣٠⦘ لَمْ يُعْتِقُوهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا يَسْعَى فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ وَفِيمَا رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا جَعَلَ عَلَى مُعْتِقِهِ الضَّمَانَ، إِذَا كَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ فِيهِ، لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ، مِمَّا لَمْ يُرْوَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute