٦٠٦٥ - وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُولُ: أَتَهَبُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ، وَتُؤْوِي} [الأحزاب: ٥١] إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ، قُلْتُ: وَاللهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ " ⦗٣٣٨⦘ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنَ الْفِقْهِ يَخْتَلِفُ أَهْلُهَا فِيهَا، فَتَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِذَا وَهَبَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ عَلَى سَبِيلِ تَمْلِيكِهِ إِيَّاهُ بُضْعَهَا، وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ لِذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ تَزْوِيجًا، فَإِنْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا فِي ذَلِكَ كَانَ لَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا، كَانَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَ لَهَا عَلَيْهِ الْمُتْعَةُ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، وَسَائِرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَتَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِذَا وَهْبَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ لِرَجُلٍ لِيُحْصِنَهَا، وَلِيَكْفِيَهَا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهَا، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَإِنْ وَهَبَهَا بِصَدَاقٍ ذَكَرَهُ، كَانَ ذَلِكَ نِكَاحًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْهِبَةِ النِّكَاحَ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَلَى مَعَانِي قَوْلِ مَالِكٍ. وَتَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ: النِّكَاحُ وَالتَّزْوِيجُ لَا يُعْقَدُ بِهِبَةٍ عَقَدَهَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا اللهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: ٥٠] ، فَجَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْهِبَةَ نِكَاحًا بِلَا صَدَاقٍ جَائِزًا، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ، فَقَالَ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ ⦗٣٣٩⦘ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠] فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَا أَخْلَصَهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَعَلَهُ لَهُ الْهِبَةَ نِكَاحًا بِلَا صَدَاقٍ يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ , وَيَكُونُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ نِكَاحًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ , فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، ثَبَتَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: ٥٠] ، أَيْ: بِالْهِبَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهَا لَهُ. فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْهِبَةَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ لَهُ نِكَاحًا، وَالتَّخْصِيصُ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِآيَةٍ مَسْطُورَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ مَأْثُورَةٍ، أَوْ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا، كَانَتْ عَلَى عُمُومِهَا، إِلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنَ الْخُصُوصِ مِنْهَا. وَتَأَمَّلْنَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّى النِّكَاحَ فِي كِتَابِهِ بِاسْمَيْنِ: النِّكَاحِ، وَالتَّزْوِيجِ، فَلَمْ يَكُنِ التَّزْوِيجُ إِلَّا بِهِمَا، فَكَانَ مِنْ جَوَابِ مُخَالِفِيهِ لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُمْ قَدْ وَجَدُوا الطَّلَاقَ ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِالطَّلَاقِ، وَالْفِرَاقِ، وَالسَّرَاحِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِمَا سِوَاهُنَّ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَسْمَاءِ، وَلَا يَكُونُ بِمَا سِوَاهَا؟، بَلْ قَدْ جَعَلُوهُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَبِالْخُلْعِ، وَالْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَائِنِ، وَالْحَرَامِ. وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ لَمْ تَلْحَقْهُ الْخُصُوصِيَّةُ بِقَوْلِ اللهِ إِيَّاهُ فِي كِتَابِهِ إِلَّا بِالثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ الَّتِي ذَكَرَهَا بِهِ، وَأَلْحَقُوا بِهَا مَا سِوَاهَا مِمَّا مَعَانِيهَا كَمَعَانِيهَا، كَانَ كَذَلِكَ النِّكَاحِ، لَا يَكُونُ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ بِخِلَافِ الِاسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِيهِ، وَيَكُونُ بِمَا مَعْنَاهُ مَعْنَاهُمَا لَاحِقًا بِهِمَا، وَلَمَّا كَانَتِ الْهِبَةُ مِنَ الزَّوْجِ لِلْمَرْأَةِ بُضْعَهَا كَالنِّكَاحِ يَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ ⦗٣٤٠⦘ الطَّلَاقِ، كَمِثْلِهَا إِذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ، كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ هِبَتُهَا بُضْعَهَا لَهُ يَكُونُ ذَلِكَ كَالنِّكَاحِ الَّذِي يَعْقِدُهُ لَهُ عَلَى بُضْعِهَا، وَتَكُونُ الْهِبَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي حُكْمِ التَّمْلِيكِ، كَمَا تَكُونُ الْهِبَةُ مِنَ الْآخَرِ لَهُ كَذَلِكَ أَيْضًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي هَذَا الْبَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute