يُعلى بفأر الجُوَن الذكيِّ
وقال آخر:
إذا ما مشت نادى بما في ثيابها ... ذكيُّ الشَّذا والمندليُّ المُطّيرُ
٣٩ - وروى أبو حنيفة عن أبي عمرو: خمَّ وأخمَّ، وصلّ وأصلّ، ونتن وأنتن فمن قال: نَتُن قال مُنْتِن، ومن قال: أنتن فهو مُنْتِن.
وهذا غلط من أبي عمرو وكان يلزم أبا حنيفة أن يوضحه ويتكلم عليه كما جرت عادته في الاعتراض على الرواة فيما يخطئون فيه، وإذا لم يفعل فنحن نوضحه إن شاء الله.
الأصل في هذه الكلمة: أنتن الشيء يُنتِن إنتاناً فهو مُنتِن وهي لغة أهل الحجاز وغيرهم يقول: نَتِن الشيء ينتُن نَتناً ونُتونة ونتانة ثم لا يقولون: فهو نتين، وهكذا القياس في فعُل كقولهم في فقُه وشرُف وظرُف وكبُر وأشباهها فهو: فقيه وشريف وظريف وكبير إلاّ أن طائفة من العرب جلّهم من تميم يقولون: شيء مِنْتِن فيتبعون الكسر بالكسر.
وسنزيد هذا الحرف شرحاً فيما ننبه عليه من أغلاط أبي العباس ثعلب في كتاب الفصيح، ونحصر ما أغفلناه هاهنا لئلا يخلو ذلك الموضع من فائدة إن شاه الله.
٤٠ - وقال أبو حنيفة: والبَنّة: الريح ما كانت منه، ومنه قول علي بن أبي طالب عليه السلام: " إني لأجدُ منه بَنّة الغَزْل ".
وما هكذا لفظه، وإنما قال لهذا الرجل: قُمْ لعنك الله حائِكاً فلكأني أجد منك بَنّة الغَزْل ".
وسنسمّي هذا الرجل ونذكر العلة التي من أجلها قال له هذا الكلام فيما ننبه عليه من أغلاط الغريب المصنف إن شاء الله.
٤١ - وروى أبو حنيفة للراعي في فأرة الإبل:
لها فأرة ذفراء كلَّعشيّةٍ ... كما فتقَ الكافورُ بالمسك فاتقُه
وهمز الفأرة ثم قال: ظن أنه يُفتق به، وكان الراعي أعرابياً قُحّاً، والمسك لا يُفتق بالكافور.
وقد غلط في همز هذه الفارة - لأن الفأركلّه مهموز - ما خلا فارة الإبل.
وقد اختلف في فأرة المسك، وفي فأرة الإنسان، وهي: عَضَلهُ، والأعلى في فأرة المسك الهمز، وفي فار الإنسان ترك الهمز ومن كلامهم: " أبرزْ نارَكَ وإنْ أهزلتَ فاركَ " أي أطعم الطعام وإن أضررت ببدنك.
فأما قوله: والمسك لا يفتق بالكافور فصحيح، ولم يقل الراعي: كما فتق المسك بالكافور، وان كان المسك لا يفتق بالكافور، فإن الكافور يفتق بالمسك، وجعل الراعي أعرابياً قحاً ونسبه إلى الجفاء، وأوهم أنه قد غلط وخطّأه في شيء لم يقله اللهم إلاّ أن يكون عند أبي حنيفة أن الكافور لا يفتق بالمسك، ويكون قد غلط هو في العبارة وعكسها فيكون في هذه الحالة أسوأ حالا منه في الأولى ويكون قليل الخبرة بالطِّيب وعمله واستعماله. ولا رائحة أخمُّ من الكافور إذا فُتق بالمسك، يشهد بذلك ذو النعمة والعطارون قاطبة.
٤٢ - وقال أبو حنيفة في قول ابن مقبل:
يعلون بالمَردقوشِ الوَرْدِ ضاحيةً ... على سعابيبِ ماءِ الضَّالةِ اللّجِنِ
وأراد بماء الضَّالة: ماء الآس، ونساه الحَضَر يمتشطن به. شبهه بماء السِّدر لخضرته، واللّجِن: المتلّزج، وكذلك الغِسلة متلّزجة، والسّعابيب: ما امتدّ من الغِسلة، ومن الخَطمي إذا أُوخف، الواحد منها سُعْبوب.
والغِسلة: متلزجة كما ذكر، ونساء الحضر يمتشطن بماء الآس، كما قال إلاّ أنه عدل عن الصواب في الضّالة، والضالة - هاهنا - السِّدرة، ونساء الحَضر يمتشطن بالسِّدر بمصر والشام وغير ذلك من البلاد، واكن أبا حنيفة لعله لم يملك رقيقاً من رقيق هذه النواحي، ولا تزوج امرأة من نسائها، ومع هذا فماء الآس غير مُتلّزج ولا مُتَلَجّن، ولا رطبٍ ولا يابسٍ، وإنما السِّدر هو: المُتلزّج، ولو عدل عن الصحيح إلى صحيح مثله لما جاز، فكيف وإنما عدل إلى فاسد.
٤٣ - وقال أبو حنيفة: والأسَل: هذه العيدان التي تنبت طوالا دقاقاً مستوية لا ورق لها يُعمل منها الحُصُر وهو الكَوْلان.
وقد أصاب في صفة الأسل وغلط في أن قال: وهو الكوْلان، ونحن نستغني بشهرة هذا عن الاستشهاد عليه، أو لعله نقله عن نسخة فاسدة فجاء الغلط من قبلها.
٤٤ - وقال أبو حنيفة: وقال بعض علماء البصرة: هي الدَّبْر والأَوْب والنّوب والدَّبوب قال: والخَشرم: ذكر النحل.
وهذا القول مشهور من قول هذا العالم - وهو اليزيديّ - ذكره في كتاب " ما اتفق لفظه واختلف معناه ".