غُلْب شوامذُ لا يزري بها الحَصَرُ
فجعلها سواجد ثم اختار شر وجهي سواجد، ولو كان قاله، وإنما الساجد في لغة طيئ المنتصب، وفي لغة سائر العرب المنحنى وهَبْه رُوي له هكذا لا خير في النخل إذا مال، وما رواه في كتابه في الترجيب وأتمه لا يرجّب إلاّ الكريم من النخل إنما تُرجّب الكريمة في الفِرط، فأما أن يختار شاعر أن يجعل نخله كلها موائل فهذا نهاية الجهل ألا ترى الشاعر كيف وصف نخلة فقال:
ليست بسنهاءٍ ولا رُجَبيَّة ... ولكن عرايا في السِّنينَ الجوائحِ
وكذلك الصَّعْل أيضاً غير مختار، وما أنشده في الصَّعْلة فهو ذم لنخل ذي الآطام لامدح له.
ويلي ما أنشده:
جرداءُ مِعطاءُ لا ليفٌ ولاكربٌ ... ولا ينال بغير الكرّ ما فيها
يقول خارفها والريح تنفضه ... لا بارك الله فيما في خوافيها
وهربه من تخفيف همزه أخرى، ولو تبع الرواية كان أسلم له.
٥٧ - وقال: قال أبو عمرو الشيباني، الصَّوادي: النخل الذى قد بلغ عروقه الماء فجزأ عن الماء فلا يُسقى، قال ذو الرُّمة:
لقد سُمِّيت باسم امرئ القيس قَريةٌ ... كِرامٌ صَواديها لِئامٌ رجالُها
قال: والقرية اسمها مرأة، قال: والصَّوادي أيضاً: الطِّوال من النخل، والواحدة: صادية، والصَّوادى أيضاً: العِطاش.
وقال أبو زياد - وقد ذكر عارض اليمامة، -: ولهم مرأة، وهي لبني امرئ القيس، وهي التي يقول فيها ذو الرمة وذكر البيت، قال: الصّوادى نخلها الواحدة صادية، وما سمعت أحداً يسمّيها الصّوادى إلاّ ذا الرّمة في شعر، ذلك أن نخلها جوازيّ كلّها، والواحدة: جازية، وهذه القرية يقال لها: مرأة، قال ذو الرمة:
ألا لَعَنَ الإلهُ بذات غِسْلٍ ... ومَرْأةَ ما حَدا الليل النَّهارا
نساءَ بني امرئ القيسِ اللواتي ... كَسَونَ وجوههم حُمَماً وقارا
٥٨ - وخلط أبو حنيفة في ذكر اللِّينة والألوان وذلك لتخليط الرواة قبله فيه، ولم يُجد تحصيله فقال في موضع هذا الباب: فإن لم يكن الفحل بالعتيق قيل: هذا فحل اللون والألوان وقال رواه عن الأصمعي.
وهذا قول صحيح.
ثم قال في موضع آخر: قال الأصمعي، الدَّقَل: وهو أحسن التمر، وهو كل ما لا يعرف اسمه، وهو الألوان والنخلة منه اللِّينة، وهي الرِّعال وكان يقال فيما مضى بالمدينة: " لا تنتفخ المرابد حتى يجدّ الألوان ".
وبعض القول صحيح وبعضه فاسد وسننبه عليه إن شاء الله. ثم قال في موضع آخر، واللّينة: النخلة من الألوان، وهذه الياء في لينة، وانقلبت ياءً للكسرة كما انقلبت في عيد وقيد. وقال أبو عبيدة: اللِّينة من النخلة ما لم تكن عَجْوة ولا بَرْنيّة.
ثم قال في موضع آخر: قد بينا ما قيل في الألوان أنها بالحجاز ما كان سوى البرنيّ والعجوة، وأن الدَّقَل ما لم يكن مسمى معروفاً وأنه يقال له: الجمع إذا صُرم وخُلِط.
وجميع هذه الأقوال فاسدة مُخلّطة، والوجه أن الألوان جمع لون كما حكى، ويقال لكل نوع من النخل ليس بذي اسم معروف لوْن والجمع الألوان، وهو المعروف بالدَّقَل وبالجمع كما قال.
وقال الكراع ويقال للدَّقل من النخل: الألوان واحدها لون، فأما اللِّينة فاسم للنخلة عَلَم، يقال: هذه نخلة، وهذه لينة بَرْنيّةٌ كانت أو عجوة، أو من الدَّقَل، وجمعها لين وليان، قال الله عزَّ وجلّ: (ما قَطَعْتُم مِن لِينةٍ) أي ما قطعتم من نخلة، وقال ذو الرمة:
كأنَّ قَتودي فوقها عُشّ طائرٍ ... على لينةٍ سوقاءَ تهفو جَنوبُها
أي على نخلة، وقال امرؤ القيس:
وسالفةٍ كسَحوق اللَّيا ... نِ أضرم فيها الغوي السُّعُرْ
أي كسحوق النخل.
وقال ابن دريد: أهل المدينة يسمون النخل الذي تسمّيه أهل البصرة: الدَّقَل اللين واللون واحدتها: لِينة ولُونة، ومنه قوله جل وعزّ: (ما قَطَعْتُم من لِينةٍ) .
وهذا الذي أراده أبو حنيفة أعني لُونة ولِينة فعدل الى الألوان فغلط. وقد تبعه أبو حاتم فقال في كتاب النخلة: ويقال للنخلة اللّينة، واشتقاقها من اللِّون، وتصغيرها لُوينة.