إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أَمَّا بعد: فإن التوحيد سر القرآن ولب الإيمان - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو دعوة جميع الرسل ومحور جميع الكتب السماوية، وهو صراط الله المستقيم، ولا سبيل إلى الجنة والنجاة من النار إلا به. ومن أجله شرع الجهاد وعلى أساسه ربى الأنبياء أتباعهم، أدرك ذلك سلفنا الصالح اهتداء بالقرآن والسنة، وجهله كثير من الناس وعلى رأسهم كثير من أدعياء العلم، بعد ذهاب العلماء حقًّا وبعد القرون المفضلة.
ألهاهم عن التوحيد علوم اليونان؛ الفلسفة والمنطق والكلام وألهاهم التصوف وما امتزج به من حلول واتحاد وخرافات وأساطير وتعلق بالقبور وغلو في الأموات من الصالحين وغير الصالحين، ومع كل هذا لا يزال في الأمة من هو قائم بالحق وثابت عليه، يقيم حجة الله على عباده كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله"(١) . إلى أن أتى الله بشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الذي
(١) أخرجه البخاري في المناقب حديث (٣٦٤١) ومسلم في الإمارة حديث (١٩٢٠) .