ومنها: أنها تزيل الكبر، فإن المستكبر لا يرضى مجالسة المساكين كما سبق عن رؤساء قريش والأعراب ومن حذا حذوهم من هذه الأمة ممن تشبه بهم، حتى إن بعض علماء السوء كان لا يشهد الصلاة في جماعة خشية أن تزاحمه المساكين في الصف.
ويمتنع بسبب هذا الكبر خير كثير جداً، فإن مجالسة الذكر والعلم يقع فيها كثيراً مجالسة المساكين، فإنهم أكثر هذه المجالس، فيمتنع المتكبر من هذه المجالس بتكبره، وربما كان المسموع منه الذكر والعلم من جملة المساكين، فيأنف أهل الكبر من التردد إلى مجلسه كذلك يفوتهم خير كثير. وقد أخبر الله تعالى عن المشركين أنهم قالوا:(لولا نُزِّلَ هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتين عظيم) الزخرف: ٣١ يشيرون إلى عظماء مكة والطائف كعتبة بن ربيعة وأخيه شيبة ونحوهما من صناديد قريش وثقيف ذوي الأموال والشرف فيهم ممن كان أكثر مالاً من محمد (وأعظم رياسة عندهم، ورد عليهم سبحانه بأنه يقسم رحمته كما يشاء، وأنه كما رفع درجات بعضهم على بعض في الدنيا فكذلك يرفعها في الآخرة، وأن رحمته بالنبوة والعلم والإيمان خير مما يجمعونه من الأموال التي تفنى، فهو يخص بهذه الرحمة الدينية من يشاء ويرفعه على أهل النعم الدنيوية، وقد خص محمداً (بما لم يشركه غيره من هذه النعم كما قال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتابَ والحكمةَ وعلَّمكَ ما لم تكنْ تعلمُ وكانَ فضلُ الله عليك عظيماً) النساء: ١١٣.
وقد كان علي بن الحسين يجلس في مجلس زيد بن أسلم فيعاتب على ذلك فيقول: إنما يجلس المرء حيث يكون له فيه نفع. أو كما قال: يشير إلى أنه ينتفع بسماع ما لم يسمعه من العلم والحكمة، وزيد بن أسلم أبوه مولى لعمر، وعلي بن الحسين سيد بني هاشم وشريفهم.