والبر فتنة للفاجر، والكافر فتنة للمؤمن، والمؤمن فتنة للكافر كما قال تعالى:(وكذلك فَتَنّا بعضَهم ببعضٍ ليقولوآ منَّ الله عليهم من بيننا أليسَ الله بأعلمِ بالشاكرين) الأنعام: ٥٣، وقال عز وجل:(ونبلوكم بالشرِّ والخير فتنةً) الأنبياء: ٣٥، فجعل كل ما يصيب الإنسان من شر أو خير فتنة، يعني أنه محنة يمتحن بها، فإن أصيب بخير امتحن به شكره، وإن أصيب بشر امتحن به صبره. وفتنة السراء أشد من فتنة الضراء، وقال عبد الرحمن بن عوفرضي الله عنه: بلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر. وقال بعضهم: فتنة الضراء يصبر عليها البر والفاجر، ولا يصبر على فتنة السراء إلا صديق.
ولما ابتلي الإمام أحمد بفتنة الضراء صبر ولم يجزع، وقال: كانت زيادة في إيماني. فلما ابتلي بفتنة السراء جزع وتمنى الموت صباحاً ومساءاً، وخشي أن يكون نقصاً في دينه. ثم أن المؤمن لا بد أن يفتن بشيء من الفتن المؤلمة الشاقة عليه ليمتحن إيمانه كما قال الله تعالى: (ألم " أحَسِبَ الناسُ أن يُتركوآ أن يقولوآ آمنّآ وهم لا يُفتَنُون " ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمَنَّ الله الذين صدقوا ولَيعلمَنَّ الكاذبين ") العنكبوت: ١٣، ولكن الله يلطف بعباده المؤمنين في هذه الفتن، ويصبرهم عليها ويثبتهم فيها، ولا يلقيهم في فتنة مهلكة مضلة تذهب بدينهم، بل تمر عليهم الفتن وهم منها في عافية.
وأخرج ابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر مرفوعاً: " إن لله ضنائن من عباده يغذوهم في رحمته، ويحييهم في عافية، ويتوفاهم إلى جنته، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم، وهم منها في عافية ".