رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ، قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ، قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (الشعراء: ٢٤- ٢٨) . وما زعمه بعضهم أن قول فرعون:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} استفهام استعلام، وسؤال عن الماهية، وأن موسى عجز عن الجواب؛ لأن الله تعالى لا ماهية له, هو زعم باطل, بل الاستفهام للإنكار كما دلت عليه الآيات الأخر:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} , وقوله:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} . وكل من أنكر وجود الله تعالى فلا يخلو من العناد والكبر.
أما غير المعاند فإنه يعترف بأن الله لا منازع له في الملك والإيجاد والقهر والتدبير ولا مشارك له فيه ولا معين، كما قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}(سبأ ٢٢- ٢٣) .
والله عز وجل فطر جميع خلقه على معرفة هذا النوع من التوحيد، فلذلك يلجئون إليه عند النوائب، ويفزعون إلى الله كُلَّما ألجأتهم الأزمات، وألمت بهم الكربات، وأصابتهم النكبات، فيخلصون له العبادة عند ذلك، كما لجأ إليه كبراء الملاحدة وقت الشدة مثل فرعون وذويه، فقد أخبر الله تعالى أنهم أنكروا وجود الله تعالى وقت المجادلة لموسى عليه السلام عند العافية، فلما أدركهم الغرق ذهب عنادهم، واعترفوا بالحق الذي كانوا ينكرونه عناداً وتكبراً، قال الله تعالى:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيل}(يونس: ٩٠) .
وقال تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}(الأنعام: ٤٠- ٤١) . وهذا صريح في أنهم يعلمون أن الله هو المالك لكل شيء المتصرف فيه بما شاء، ولهذا صار الإقرار بهذا النوع من التوحيد لا ينفع ولا ينجي من العذاب حتى ينضاف إليه توحيد القصد والنية والإرادة والتوجه، والمقر بتوحيد التصرف والملك لا يصير به مسلماً كما دلت على ذلك آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}(الزخرف: ٨٧) . وقال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأََمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}(يونس: ٣١) .