للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتعلقات بالأحياء والأموات، ويخلصها كذلك من إله المادة والتعلق بالطواغيت الماديين وكل مخلوق، فيطلق عزائمهم من قيود العبودية لغير الله والتعلقات بالأحياء والأموات، فيكون المؤمن مع الناس حراً عزيزاً كريماً، ومع الله عبداً خاضعاً ذليلاً خائفاً، فهذا الذي يجب على العبد أن يعتني به أشد الاعتناء، ويحذر أشد الحذر أن ينحرف عنه؛ لأن الانحراف عنه هو الهلاك المحتّم والخسران الأكبر والخلود في جهنم، مع أن أقسام التوحيد الثلاثة متلازمة ولكن توحيد الربوبية أمر فطري خلقي: "والرب: هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي"١.

"فالرّب هو الذي يُرَبِّي عبده فيعطيه خلقه الذي تتم حياته به، ثم يهديه إلى جميع مصالحه"٢. فتوحيد الربوبية: هو العلم بأن الله تعالى هو مالك الأشياء كلها، ومصرِّفُها على ما يريد, فالأمر كله راجع إليه تعالى، من خلق السماوات وما فيهن، وتصريف شأنها، وخلق الأرض ومَنْ عليها، وما فيها من معادن، وأسرار، وخلق الرياح وتصريفها، والسحب وتسخيرها تحمل الماء إلى ما شاء الله تعالى من الأماكن، فينزله، وبه تحي الأرض الميتة وإيجاد الأرزاق للحيوانات والدواب والأناسي، والإحياء والإماتة، وتنظيم أمور الكون كله من بداية وجوده إلى نهايته، وإلى ما شاء الله تعالى، فالجميع ملك الله تعالى وتحت قهره وتصرفه، حسب إرادته جل وعلا، وهذا يُقرُّ به كل المكلفين من مؤمن وكافر إلا من عاند وكابر منهم، والمعاند لا تجدي فيه الأدلة، ولا تزيده المجادلة إلا تماديا في ضلاله، وإنما خلق له الحديد الذي فيه البأس الشديد, قال الله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام: ٣٣) , فبيَّن الله تعالى أنّ الكفار يعلمون أنّ ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - حق، وقال تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} (النمل: ٨٠- ٨١) . وأشهر من عرف في الماضي في تجاهله وإنكاره لله تعالى هو فرعون، وكان مستقيناً في قلبه وجود الله تعالى، وأنه مالك كل شيء كما قال تعالى عن موسى أنه قال له: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} (الأسراء: ١٠٢) , وقال تعالى مخبرا عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} (النمل: ١٤) , ولهذا قال منكراً على موسى: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء: ٢٣) , فقال له موسى: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ، قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ، قَالَ


١ مجموع الفتاوى ج ١٤ ص ١٣.
٢ المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>