وقد ذكر المؤرخون أن احتفالات الملك المظفر بالمولد كان يحضرها المتصوفة، حيث يكون الاحتفال من الظهر إلى الفجر، وكان ما ينفق في هذا الاحتفال يزيد عن ثلاثمائة ألف دينار.
واستمرت بعد ذلك هذه الاحتفالات إلى يومنا هذا، بل توسعوا فيها حتى امتدت إلى الاحتفال بمولد كل عظيم في نظر العامة، إن كان من الملحدين، بحجة أنه من الأولياء. ولا يخفى على الجميع مدى المنكرات والموبقات التي ترتكب في أسواق الموالد، من شرب للخمر، ولعب للميسر، ورقص وغناء تؤديه النسوة في مجامع الرجال وغير ذلك من الكبائر، حتى أصبحت كلمة المولد يضرب بها المثل في كل المجالات، للفوضى والاستهتار، وأعظم من هذا كله اعتقاد هؤلاء الجهال أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، بل يزعم بعضهم أنه يصافحه وهذا من أعظّم الباطل، بل هو غاية الجهالة والضلالة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس- بل هو مُنْعم في قبره، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع".
ونحن لا نلوم العامة الذين يفعلون مثل هذه الأمور وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ولكن اللوم يوجه إلى العلماء المنتسبين إلى العلم، أولئك الذين يعرفون طريق الحق ولكنهم يحيدون عنها، ولا يذكرون أن الاتباع أولى من الابتداع، ولكنهم يتجاهلون هذا الحق الذي لا يجادل فيه، فكيف يجهل هؤلاء أن حقيقة الحفاوة بذكرى مولد الرسول عليه السلام تتركز في اتباع ما جاء به، وإحياء سنته، وأن هذه الذكرى الطيبة ليست مؤقتة بزمن وليست محدده بشهر ربيع الأول، بل ينبغي أن نحييها ونحتفى بها في كل لحظة من لحظات حياتنا وفى كل بقعة حللنا بها، وذلك باتباع سنته والسير على نهجها وما أظن أن مسلما يجهل أن الاحتفال بفكرة ((المولد النبوي)) أو غير ذلك من الموالد فكرة مبتدعة جاءتنا متأخرة، وفيها تشبه باليهود والنصارى الذين لا يعرفون من الدين إلا الاحتفالات على رأس السنة بعيد ميلاد المسيح عليه السلام أو غيره، الذي دس عليهم وليس من دينهم- ونحن قد قلدناهم في هذا العمل كما قلدناهم في أمورٍ كثيرة. وهذا بلا شك مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن". متفق عليه.