ولما كانت البدع كثيرة، يجل عنها الحصر، فإني سوف أقصر الكلام بإيجاز على بدعة خطيرة، ومحدثة عظيمة، تمس شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ألا وهى: بدعة الاحتفال بعيد مولده صلى الله عليه وسلم.
وإن المتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن مثل هذه الاحتفالات لم تكن موجودة عند المسلمين الأوائل، بل ولا في القرون المفضلة، حتى جاءت الدولة الفاطمية، والتي انتسبت إلى فاطمة ظلما وعدوانا، بل إن المحققين من المؤرخين يرون أنهم ينحدرون من أصل يهودي يقال لهم العبيديون، وهم أبناء ميمون بن ديصان المشهور بالقداح، قيل: إنّه يهودي، وقيل مجوسي، وقد استمرت دولتهم في مصر من (٣٥٧- ٤٦٧ هـ) وقد احتفل الفاطميون بأربعة موالد: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبى طالب، وولديه الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا.
فهم أول من أحدث ذلك كما ذكر المقريزى وغيره. وظلت هذه البدعة يعمل بها حتى جاء (بدر الجمالي) الوزير الأول للخليفة الفاطمي (المستعلي بالله) ، وكان هذا الوزير شديد التمسك بالسنة، فأصدر أمرا بإلغاء هذه الموالد، وما أن مات (بدر الجمالي) حتى عادت البدعة من جديد.
واستمر الأمر على هذا الحال حتى جاء عهد صلاح الدين الأيوبي، وكان -أيضا- من المتمسكين بالسنة، فألغى هذه الاحتفالات، وتم تنفيذ هذا الإلغاء في كل أنحاء الدولة الأيوبية، ولم يخالف في ذلك إلا الملك المظفر الذي كان متزوجا من أخت صلاح الدين.