للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعناية. يقول: "فالبيتان من الشعر للشاعرين كالفرسين السليمين من كل عيب، ولكن النخاس لهما قد يجعل الفرق ما بينهما في الثمن كبيرًا. وقد يتقارب البيتان من الشعر وهما جيدان نادران. فيعلم أهل الصناعة بالشعر أيهما أجود. وإن كان معناهما واحدًا. أو أيهما أجود في معناه. وإن كان معناهما مختلفًا".

ولقد امتحن الآمدي في فن النقد فلما طلب منه تعليل الترجيح عنده أرجع العلة في النقد إلى الذوق.

"سألني محمد الأمين عن شعرين متقاربين وقال: اختر أحدهما؟ فاخترت فقال: من أين فضلت هذا على هذا وهما متقاربان؟ فقلت: لو تفاوتا لأمكنني التبيين. ولكنهما تقاربا. وفضل هذا بشيء تشهد به الطبيعة ولا يعبّر عنه اللسان".

ويستدلّ الآمدي على صحة دعواه بكلمة "خلف الأحمر" المشهورة في النقد "وقد قيل لخلف الأحمر: إنك لا تزال تردّ الشيء من الشعر وتقول: هو رديء والناس يستحسنونه؟ فقال: إذا قال لك الصيرفي إن هذا الدرهم زائف. فأجهد جهدك أن تنفعه فلا ينفعك قول غيره أنه جيد".

والآمدي يطلب من غير أصحاب الصنعة أن يسلموا له ولأمثاله الحكم في الشعر، وأن يقبلوا منهم عن رضى تلك الأحكام:

"إذا كان من الواجب أن يسلم لأهل كل صناعة صناعتهم ولا يخاصمهم فيها ولا ينازعهم إلا من كان مثلهم، نظرًا في الخبرة، وطول الدربة والملابسة".

وليست الصناعة عند الآمدي بامتلاك خزينة من الكتب. أو حفظ جملة من القصائد، وإنما هي الموهبة، والطبع، والملكة المصقولة على التمييز بين الأبيات، وعلى تذوق الأساليب والوصف الفني لقصيد من الشعر أو رسالة من النثر واسمعه يقول:

"لا تصدق نفسك أيها المدعى. وتعرفنا من أين طرأ لك الشعر. أمن أجل أن عندك خزانة. من الكتب تشتمل على عدة دواوين الشعراء.

<<  <   >  >>