مجد دعاتها"، وهكذا يكون التصوير الأدبي إلى نهاية القصيدة بما يتناسب مع النبي العظيم -محمد صلى الله عليه وسلم، ومع رسالته القوية الخالدة.
وعلى النمط المتنوع في الموضوع والغرض لا يمكن أن تتحقق الوحدة الفنية في القصيدة؛ لأن وحدة الموضوع والغرض لم تتحقق فيها.
والذي ينبغي ألَّا نغمط حق الشاعر فيه، أنه يحاول في قصيدته المتعددة الأغراض ألَّا يهبط بالغزل إلى الإسفاف والسفور المرذول، كما هو معروف في الغزل عند الشعراء القدامى والمحدثين؛ لأن الشاعر يدرك تمامًا الشرف في الغرض الثاني، فلا بُدَّ أن يكون هناك اتساق وتلاحم على نحوٍ ما مع المطلع بما يتناسب مع هذا الغرض، ولذلك لم يجد الشاعر بدًّا من أن يعبر عن طبيعته وعن خلقه الإسلامي، فيصور الحب وهو غريزة إنسانية في مظهرها اللائق بالمؤمن الحق، ويخلق المسلم كما ينبغي أن يكون.
ولهذا السبب لا يدرك القارئ كثيرًا في القصيدة عنده أنها قامت على غرضين، لصعوبة الفصل بين المطلع في الغزل العفيف الطاهر، وبين الغرض الأساسي الشريف، فكلاهما يعبر عنفس شفافة مؤمنة هذبتها شريعة الإسلام بأخلاقه السامية.
وكذلك تعدد الغرض في قصيدة "في ربا الحرمين"، فاستهلَّها بمطلع في الغزل العفيف مع ليلاه في خمسة أبيات يقول١:
سرى في هجعة المسرى تسامي ... وترمق في تطلعها المراما
وكأن الشوق يحدوها ابتهاجا ... ويذكي في مشاعرها الغراما
وفي جنباتها تمشي طيوف ... كأطياف المحب إذا استهاما
فقلت لها وفي نبرات صوتي ... وداد، أين أزمعت المقاما
فقالت: في ربا الحرمين أشدو ... أناجي البيت والبلد الحراما
ثم ينتقل إلى الغرض من القصيدة، فيصور المآسي التي مزَّقت صفوف المسلمين وفرقت شملهم، فهبَّت رحى الخلاف والتنازع بينهم، مما يمزق قلب الشاعر، ويدمي مشاعره، ولا يجد سبيلًا أمامه إلَّا أن يحث المسلمين وهو في "منى" في هذه الأيام الطاهرة، يحثهم على التمسك بالشريعة والسير على منهجها، ونبذ الخلاف والنزاع حتي يعودوا صفًّا واحدًا في جسم الأمة الإسلامية، فيقول في تسعة وثلاثين بيتًا: