للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خامسًا: شاعريته في ميزان النقد

الشاعر أحمد عسيري يصوّر حياته بكل جزئياتها؛ لأنه يعبِّر عن ذات نفسه، ويصور مشاعره الأليمة، وإحساساته الحزينة في الحياة ليصوغ من شعره قصة حياة تمرَّدت على القيم التقليدية الكلاسيكية متحررًا من قيودها، فلا نجد في شعره تعددًا في موضوع القصيدة الواحدة، بل الغرض فيها واحدًا، بل كان الديوان يصور غرضًا واحدًا، وهو حياة الشاعر فقط، في وحدة عضوية وفنية، وتتلاحم فيها الأفكار، وتتعانق المعاني في إيقاع حزين، تشيعها موسيقى دامية، تنزف مرارة وأسى.

ولذلك يقول العسيري في إهداء الديوان:

إلى الإنسان الذي يشق طريقه بعصامية....!! ١

إلى كل إنسان ذاق مرارة الحرمان، أو ضاع في متاهات الحياة ... !!

لأن الشعر الصادق هو الذي يكون صادقًا مع قائله، وتجربة حية يعيشها صاحبه، حتى يكون قطعة منه، بل حياته كلها، ليكون مثلًا أعلى، ونموذجًا رفيعًا، يتجاوب مع الإنسان في أي موقع كان؛ لأنه للإنسان متجردًا على الأرض والزمان.

هذا هو ما أقصده من عالمية الأدب وإنسانيته، لا يعرف الحدود في الزمان والمكان في المجال البشري الإنساني، وليس هذا الاتجاه وهو "عالمية الأدب وإنسانيته" غريبًا على أدبنا الإسلامي، بل هو أصيل وجوهري فيه؛ لأن غاية الإسلام تحقيق عالمية الإنسانية بلا تفريق بين العربي والعجمي، ولا بين الشرقي والغربي، ولا بين الدول النامية والدول العظمى إلَّا بالمثل العليا، والمبادئ العادلة المستقيمة، والقيم الفاضلة المنصفة للإنسان في أي موقع كان، وخلال الزمان والمكان، لمختلف الأجناس والأجيال؛ لأن الإنسان كان ولا يزال هو الإنسان.

وحين فتح الشاعر الكبير محمد حسن عواد عينيه على ديوان أحمد العسيري وجد نفسه، كما يقول: "أمام شاعر شاب يستطيع هذا الوطن العربي، وهذه اللغة الخالدة، أن يعتز به، ولا مبالغة في هذا القول، إنك ستدهش لشاعر الحرمان والضياع، يجسم لك هذه المعاني، وينفخ فيها من روحه، فتتوهج في قوالب من اللفظ، أعطيت قدرة الوصول إلى أعماق القارئ، ورفعه إلى مستوى تلك المعاني الإنسانية الخالدة، إلى قدرة الإيحاء، ومد الظلال، ورقرقة الحيوية في الأفكار الفلسفية والاجتماعية.


١ في متاهات الحياة، أحمد عسيري، الإهداء.

<<  <   >  >>