للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَعَجَّلَتْ لَهُ قَبْلَ السِّنِّ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَهَذَا إِنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السِّنِّ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الِاحْتِيَاجِ إِلَى مَا عِنْدَهُ، وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ عِيَاضٌ مِمَّنْ حَدَّثَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لِبَرَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ تَقَدَّمَتْ، ظَهَرَ لَهُمْ مَعَهَا الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِمْ، فَحَدَّثُوا قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُمْ سُئِلُوا ذَلِكَ إِمَّا بِصَرِيحِ السُّؤَالِ، وَإِمَّا بِقَرِينَةِ الْحَالِ.

وَأَمَّا السِّنُّ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْمُحَدِّثُ انْبَغَى لَهُ الْإِمْسَاكُ عَنِ التَّحْدِيثِ فَهُوَ السِّنُّ الَّذِي يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يَخْلِطَ، وَيَرْوِيَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَالنَّاسُ فِي بُلُوغِ هَذِهِ السِّنِّ يَتَفَاوَتُونَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ، وَهَكَذَا إِذَا عَمِيَ، وَخَافَ أَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، فَلْيُمْسِكْ عَنِ الرِّوَايَةِ.

وَقَالَ ابْنُ خَلَّادٍ: أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُمْسِكَ فِي الثَمَانِينَ، لِأَنَّهُ حَدُّ الْهَرَمِ، فَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ ثَابِتًا، وَرَأْيُهُ مُجْتَمِعًا، يَعْرِفُ حَدِيثَهُ، وَيَقُومُ بِهِ، وَتَحَرَّى أَنْ يُحَدِّثَ احْتِسَابًا رَجَوْتُ لَهُ خَيْرًا.

وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ الثَمَانِينَ ضَعُفَ حَالُهُ فِي الْغَالِبِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ الِاخْتِلَالُ، وَالْإِخْلَالُ، أَوْ أَنْ لَا يُفْطَنَ لَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُخَلِّطَ، كَمَا اتَّفَقَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ.

<<  <   >  >>