للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحضون الدين من فاحش الخطأ، وقبيح المقال، بما لا يحضون به سواه من جميع العلوم والآراء والآداب، والصناعات؛ ألا ترى أن الفلاح والصائغ والنجار، والمهندس والمصور، والكاتب والحاسب، من كل أمة، لا تجد بينهم من التفاوت في الفهم والعقل والصناعة، ولا من فاحشة الخطأ وإفراط النقص، مثل الذي تجد في أديانهم، وفي عقولهم، عند اختيار الأديان؛ والدليل على ما وصفت لك: ن الأمم التي عليها المعتمد في العقل والبيان والرأي والأدب والاختلاف في الصناعات، من ولد سام خاصة: العرب والهند والروم والفرس، ومتى نقلتهم من علم الدين، حسبت عقولهم مجتبلة وفطرهم مسترقة.

كالعرب فإنها مخصوصة بأمور، منها: البيان الذي ليس مثله بيان، واللغة التي ليس مثلها في السعة لغة، وقيافة الأثر الإمام قيافة البشر، وليس في الأرض قوم غير العرب يرون المتباينين في الصور، والمتفاوتين في الطول والقصر، والمختلفين في الألوان، فيعلمون أن هذا الأسود ابن لهذا الأبيض، وهذا الطويل ابن أخي هذا القصير، وهذا القبيح عم هذا المليح.

وللعرب الشعر الذي لم يشاركهم فيه أحد من العجم.

قال: وقد سمعت للعجم كلاماً حسناً، وخطباً طوالاً يسمونها أشعاراً، فأما أن يكون لهم شعر على أعاريض معلومة وأوزان معروفة، إذا نقص منها حرف أو زاد حرف، أو ترك ساكن أو سكن متحرك، كسره وغيره، فليس يوجد إلا للعرب خاصة دون غيرهم، وليس في الأرض قوم أعنى بذم جليل القبيح ودقيقه، وبحمد دقيق الحسن وجليله، من العرب، حتى لو أجهد أفطن البرية وأعقل الخليقة أن يذكر معنى لم يذكروه لما أصابه.

وللعرب من صدق الحس، وصواب الحدس، وجودة الظن، وصحة الرأي، ما لا يعرف لغيرهم؛ ولهم العزم الذي لا يشبهه عزم، والصبر الذي لا يشبهه صبر،

<<  <   >  >>