للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكنكلة، وهو وتر واحد على قرعه فيقوم مقام العود والصنج، ولهم ضروب الرقص والخفة، ولهم الثقافة خاصة، ولهم السحر، والتدخين، والخطب الطوال، ولهم الرأي والنجدة والصبر، وليس لأحد من الصبر ما لهم، ولهم الزي الحسن والأخلاق المحمودة، والسواك والخضاب.

وهم - مع جميع ما ذكرنا -: أصحاب بددة، ينحتونها بأيديهم، ويوجبون عبادتها على أنفسهم، وهم اجتلبوها وأوجبوا طاعتها، ثم يتكفنون، ويتصندلون، ويحملون معهم الألطاف والهدايا، ويدخلون النيران، إذا اشتاقوا إلى موتاهم، على أنهم بزعمهم يرجعون إلى أهليهم، إذا قضوا أوطارهم من زيارة موتاهم، لا ينهى الآخر طول غيبة الأول، مع هذه الحكمة الشريفة، والأخلاق السنية، والمعرفة الحسنة، يعرفون من أمر الدنيا ما لا يعرفه أحد، ويجهلون من أمر الدين ما لا يجهله أحد.

قال: ثم ملنا إلى الروم، فوجدناهم أطباء وحكماء، ومنجمين، ولهم أصول اللحون وصنعة القرسطون، وكيان الكتب، وهم الغايات في التصوير، يصور مصورهم الإنسان حتى لا يغادر شيئاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره شاباً، وإن شاء كهلاً، وإن شاء شيخاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره باكياً أو ضاحكاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يجعله جميلاً ناعماً عتيقاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يفصل بين ضحك السامت، وضحك الخجل، وبين المبتسم والمستعبر، وبين ضحك السرور وضحك الهازئ، وضحك المتهدد، فيركب صورة في صورة، وصورة في صورةٍ، وصورةً في صورة؛ ثم لهم في البناء ما ليس لغيرهم، ومن الخطر والنجر والصناعة ما ليس لسواهم.

ثم هم مع ذلك أصحاب كتاب وملة، ولهم بعد في الجمال والحساب، والقضاء

<<  <   >  >>