للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في النجوم، والخط، والنجدة والرأي، وأنواع المكيدة، ما لا ينكر ولا يجحد؛ وإنما قلت عقول الزنج، وأشباه الزنج، لتباعدهم عن هذه الخصال.

ثم هم - مع ذلك أجمع -: يرون أن الآلهة: ثلاثة بطن اثنان وظهر واحد، كما لا بد للمصباح من الدهن، والفتيلة، والوعاء، فكذلك جوهر الآلهة، فزعموا أن مخلوقاً استحال خالقاً، وأن عبداً تحول رباً، ون حديثاً انقلب قديماً، إلا أنه قد قتل وصلب بعد هذا، وفقد، وجعل على رأسه أكاليل الشوك، ثم أحيا نفسه بعد موته، وإنما أمكن عبيده من أخذه وأسره، وسلطهم على قتله وصلبه، ليواسي أنبياءه بنفسه، وليتحبب إليهم بالتشبيه بهم، ولأن يستصغروا جميع ما صنع بهم، ولئلا يعجبوا بأعمالهم فيستكثرونها لربهم، فكان عذرهم أعظم من جرمهم.

قال: فلولا أنا رأينا بأعيننا، وسمعنا بآذاننا، لما صدقنا ولا قبلنا أن قوماً متكلمين، وأطباء ومنجمين، ودهاة وحساباً، وكتبة وحذاق كل صنعة، يقولون في إنسان رأوه يأكل ويشرب، ويبول وينجو ويجوع ويعطش، ويكتسي ويعري، ويزيد وينقص، ثم يقتل بزعمهم ويصلب: إنه رب خالق، وإله رازق، وقديم غير محدث، يميت الأحياء ويحيى الموتى، وإن شاء خلق أضعافاً للدنيا، ثم يفخرون بقتله وصلبه، كما يفخر اليهود بقتله وصلبه.

قال: ثم ملنا إلى فارس، فوجدنا هناك العقول التي لا تبلغها عقول، والأحلام التي لا تشبهها أحلام والسياسة العجيبة، والملك المؤبد، وترتيب الأمور، والعلم بالعواقب؛ ثم كانوا مع ذلك يغشون الأمهات، ويأكلون الميتة، ويتوضون إلا بوال، والماء لهم مباح، ويعظمون النار، وهم أظهروها، فإذا شاءوا أطفأوها؛ ويقولن: بأن الله تعالى كان وحده لا شيء معه، فلما طالت وحدته استوحش، فلما استوحش

<<  <   >  >>