للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكر، فلما فكر، تولد من فكرته أهر من، وهو إبليس، فلما مثل بين يديه أراد قتله، فلما أراد قتله امتنع، فصالحه إلى أجل معلوم، ووادعه إلى مدة مسماة، على لا يمتنع عليه إذا استوفى الأجل وبلغ المدة؛ ثم أن أهر من نوى الغدر، وذلك شيمته، فأنشأ يخلق أصناف الشر، يستمد بها عليه؛ فلما عرف ذلك منه أنشأ يخلق أصناف الخير، ليضع بإزاء كل جند جنداً، وله بعد ذلك فضل قوته، وإنه يسمى القديم دونه.

ثم قولوا في قسمة العوالم الخمس عندهم، وفي أسمائها وجواهرها وهيآتها، وفي خلق مهنة ومهينة وهما آدم وحواء، وفي سويين المنتظر عندهم، ولا يستطيع وصفه أحمق منقوص، ولا عالم تام، ولو جهد كل جهده واستفرغ كل قوته.

قال: ووجه يستدل به على قلة عناية الناس بأكثر الدين، وإن شأنهم تعظيم الرجال، والاستسلام للمنشأ، والذهاب مع العصية والهوى، والرضى بالسابق إلى القلوب، واستثقال التمثيل، وبغض التحصيل، ما تجد من اعتقاد أكثر البصريين وسوادهم لتقديم عثمان بن عفان، ومن اعتقاد أكثر الكوفيين وسوادهم لتقديم علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن اعتقاد أكثر الشآمين لدين بين أمية، وتعظيم عثمان وحب بني مروان، حتى غلط لذلك قوم، فزعموا أن ذلك من قبل الطالع، وقال آخرون: بل من عمل التربة، كما تجد لأهل كل ماء وهواء وطينة: نوعاً من الأخلاق، والمنظر والزي، والصناعة واللغة؛ وليس ذلك - أكرمك الله - إلا من قبل تقليد السلف، وحب الرجال، وما وقع في القلوب، وهيجته المحبة، لأن تقليد الآباء هو الذي ارتهنهم، وحب الرجال هو الذي أعماهم وأصمهم، والنسق على التقليد هو الذي ملأ خواطرهم، وأمات قلوبهم، ولو كن ذلك من قبل الطالع أو التربة، لما حسن الأمر والنهي، ولما جاز الحمد والثواب، واللائمة والعقاب، ولما كان لإرسال الرسل معنى؛ ولو كان ذلك للطالع والبلدة،

<<  <   >  >>