للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لجاز ذلك في المصيب كما في المخطئ، ولجاز في الناظر كما جاز في المقلد.

وإنما صير أكثر أهل البصرة عثمانية، لأنهم كانوا صنائع ثلاثة أمراء عليهم: أولهم عبد الله بن عامر، والثاني زياد، والثالث الحجاج بن يوسف، وهؤلاء الثلاثة الغايات في حب عثمان وبين أمية، فلم يقصروا في تقديمه واستمالة الناس إليه بالترغيب والترهيب، والسياسة والتدبير، ولصنائع ابن عامر فيهم فزع إليهم طلحة والزبير وعائشة، حين قدموا عليهم يطلبون بدم عثمان، ولأن علياً عليه السلام حاربهم وقتل أعلامهم وفل حدهم، ولذلك قال رجل من كبراء البصريين في علي عليه السلام: كيف أحب رجلاً قتل من قومي من لدن كانت الشمس ههنا إلى أن صارت ههنا إحدى عشرة مائة.

ولو كان هذا من قبل البحث والنظر، لما صار أهل عمان كلهم أباضية، وغيرهم مرجية، ولما اختار أولاد النصارى كلهم النصرانية، وأولاد اليهود كلهم اليهودية، وأولاد المجوس كلهم المجوسية؛ وكيف يجوز أن يعتقد أولاد اليهود كلهم اليهودية بالنظر؟ وقد تجد الأخوين ينظران في الشيء الواحد فيختلفان في النظر، ولربما نظر الناظر فيصير له في كل عام قول، ولربما كان ذلك في كل شهر؛ فصح أن دين الناس بالتقليد لا بالنظر، وليس التقليد إلى الحق بأسرع منه إلى الباطل.

وروى الجاحظ في كتاب الأخبار أيضاً، عن أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام، أنه قال - في الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -: وكيف يجيز السامع صدق المبخر، إذا كان لا يضطره خبره، ولم يكن معه علم يدل على صدق غيبه، ولا شاهد قياس يصدقه، وكون الكذب غير مستحيل منه مع كثرة العلل التي يكذب الناس لها ودقة حيلهم فيها، ولو كان الصادق عند الناس لا يكذب، والأمين لا يخون، والثقة لا ينسى، والوفي لا يغدر، لطابت المعيشة، ولسلموا من سوء العاقبة.

<<  <   >  >>