هذين الجرابين فاذهبي في قبائل ذبيان وبني غنى وبني عامر، واعرضي ما فيهما على النساء بالمسك والعنبر، وكان ذلك في سنة مجاعة أصابتهم.
فمرت سلامة تعرض على نسائهم ما معها، فلم تجد من ذلك شيئاً، حتى مرت بمنشم بنت عامر زوجة ثعلبة بن الأعرج، قاتل شاس بن زهير، وهي يومئذ حاملة مضطرة، فأعلمتها أنها تطلب مسكاً أو عنبراً لبنت لها تريد أن تزفها إلى زوجها؛ فقالت لها منشم: عندي قضاء حاجتك، إن كتمت عني؛ قالت الجارية: لست مظهرة لك سراً، فأخرجت لها منشم حاجتها وما تطلب؛ فلما نظرت سلامة إلى ذلك، قالت لها: من أين لك هذا المتاع الرفيع، ولا يكون إلا عند الملوك؟ فأعلمتها منشم بقصة زوجها وقصة شاس؛ فرجعت سلامة إلى مولاها زهير بن جذيمة، فأخبرته الخبر، فقال زهير:
أتتني سلامة بعد الضحى ... تهتك لي الستر من منشم
فلست لشاسٍ إذاً والداً ... ولا من جذيمة الأكرم
إذا لم أقم لغني العدا ... مقام امرئ ثائرٍ بالدم
وقال زهير بن أبي سلمى:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
فلما تبين لزهير قاتل ولده، قال لبني غنى ونبي عامر: هلم إلى النصفة قبل الحرب؛ فقالوا: نحن نحكمك يا أبا شاس؛ فقال لهم زهير: إني مخيركم إحدى ثلاث،