ولأنا قد استفدنا إبطال قول الدهرية من غير هَذَا الموضوع وهو قوله خلقته من طين.
وجواب آخر: وهو أنه قد روي: " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " وهذا يمنع رجوع الهاء عَلَى آدم، فإن قيل: الهاء عائدة عَلَى آدم ويكون فائدته إعلامنا أنه لم يكن حادثا عن توليد عنصر أو تأثير طبع أو فلك أو ليل أو نهار إبطالا لقول الطبائعيين، أن بعض ما كان عليه آدم من هيئاته وصورته لم يخلقه الله، عَزَّ وَجَلَّ، بل كان فعل الطبع أو تأثير فلك، فبين بذلك أن الله تَعَالَى هو الخالق لآدم عَلَى ما كان فيه من الصور والتركيب، وإبطالا لقول القدرية أن من صفات آدم ما لم يخلقه الله وإنما خلقها آدم لنفسه.
قيل: هَذَا غلط لما بينا وهو أنه يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن بقية البشر هَذَا المعنى موجود فيهم، وأن الله تَعَالَى هو الخالق وأنه لا صنع للطبيعة فيها والفلك فيه، ولأنه قد روي فِي لفظ آخر:" خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " فإن قيل: إنما خص آدم بذلك تنبيها عَلَى أن من شاركه من المخلوقات فِي معناه، قيل: هَذَا غلط لما بينا من أن خلق عيسى فِي معنى خلق آدم بقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} فلا معنى لتخصيصه بذلك، ولأن قوله:" خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " يمنع من ذَلِكَ.
فإن قيل: الهاء عائدة عَلَى آدم ويكون فائدة إشارة إلى ما تقدم أن الله خلق السعيد سعيدا والشقي شقيا، فلما خلق آدم وقد علم أنه يعصي ويخالف، وكتب ذَلِكَ عليه قبل أن يخلقه عرفنا ما سبق من قضائه وأنه هكذا خلقه عَلَى ما علم منه.
قيل: هَذَا غلط لما بينا أنه يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن ولد آدم مخلوق عَلَى ما سبق قضائه من الشقاء والسعادة ولأنه قد روي فِي لفظ آخر: " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " فإن قيل: عود الهاء عَلَى آدم أولى لأنه أقرب المذكور، قيل: الهاء قد تعود تارة إلى الأقرب وتارة إلى الأبعد، قَالَ تَعَالَى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ