ويمكن قول الشيء نفسه عن مملكة الحيوان. فالعقل ينمو بقدر ما نمرنه على العمل تماماً كما هو الحال بالنسبة لعضلات الجسم. فكلما عودناه على الانطلاق بعيداً عن أسرتها في الكون ازدادت قابليتها على تلقي المعارف وبالتالي تزداد قوة. فالإنسان يقلد في أفكاره وأفعاله القرد والنمر والجدي والأفعى والشاة ويكتسب صفاتها ويندفع تحت تأثيرات مشابهة إلى السلوك العدائي والوداعة والشهوة والجشع. ولتوضيح ذلك أكثر نقول إذا كان الإنسان ذكياً فإنه يأخذ صفات الثعلب في الكون ويصبح شبيهاً به قولاً وفعلاً وإذا كان الإنسان أنانياً تنطلق غريزة الأنا والجشع من خلاياها الكائنة في عالم الإنسان فتستحوذ عليه الشهوات المادية. وعلى المنوال نفسه قد يدرك العالم الروحاني في نفسه أن قوانين الطبيعة في كل تعددها وتنوعها تبدو بسيطة في توافق عملياتها وفي وحدة أغراضها حين تؤثر في نمو الإنسان مادياً وأخلاقياً.
وتكون إمكانيات النمو الداخلي والتطور محدودة لدى الإنسان المادي. فإذا كانت لديه الرغبة في إنكار النزعة الروحانية فإنه يتضائل وتضعف طموحاته وبالتالي يجرد الروحانية السرمدية من خواصها الصالحة. والطبيعة، في تركيبها للمواد من أجل خلق الرجل الأصم أسقطت سهواً عنصر الصوت من تكوينه.
وبالتالي فقد تكون لدينا كائن غير تام، إذا أن الصوت يبقى غريباً عن دنياه، ولا يمكن مخاطبته إلا عن طريق الإشارة حتى ولو كان ذلك في الحلم. وتستخدم الروحانية قوى الطبيعة في حين يستخدم الرجل الطبيعي الأحلام ليعمل وهو في إدراكه الحي. وبما أنه من المستحيل أن نستخدم لشكل فعال عاملاً يفتقر إليه الإنسان بشكل طبيعي فمن النادر أن يحلم الأصم بالأصوات أو الأعمى بالألوان.
[لا يمكن أن يتشابه حلمان كما لا يمكن أن تتشابه زهرتان]
لا يمكن أن يكون ثمة شخصان في الحالة نفسها في الوقت نفسه كما أن الرموز الإيحائية نفسها لا يمكن أن تنقل انطباعات متشابهة ولا يكون الحلم نفسه في درجة الفعالية نفسها في مختلف الحالات سواء أكان الأمر حباً أم عملاً، مع الشخص نفسه. ويختلف إدراك الإنسان لحلمه كما هو الحال في ساعات يقظته.
فأنت لن تجد الأريج في الزهرة في كل الأوقات مع أن التأثيرات نفسها تحيط بك. لذا يجب استخدام أحلام مختلفة لأشخاص مختلفين لنقل المعنى نفسه. والخليقة وهي واثقة من قدرتها على خلق نماذج كاملة لا تقبل الرتابة في عملها ونتيجة لذلك فإن الإدراك الحسي للإنسان أو رحيق الأزهار إنما ينبعان من قالب وشكل واحد للذكاء أو الجمال أو الروعة، وينسحب هذا التنوع على عملية الخلق بكاملها. قد تظن أن أحلامك متشابهة، غير أن ثمة اختلافاً ما باستمرار فالطبيعة دائمة التبدل في تركيبها وعناصرها. لذا فمن المسلم به أن تختلف الأحلام حتى في تفاصيلها، وهذا التبدل لن يؤثر على ما يصيب مختلف الناس من أحزان وأفراح، وبالتالي فإن هذه الأحلام تصلح للجميع.
فالأشخاص ذوو الأمزجة المتشابهة سيتأثرون عميقاً بحلم معين أكثر مما يتأثر به أناس آخرون، وقد تختلف الأحلام في التفاصيل، إلا أنها من حيث الظاهر تبدو متشابهة تماماً مثلما نطق على زهرتين متشابهتين تسمية زهرتين مع أنهما غير متشابهتين. فإذا حلمت فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها وفتاة في الخامسة عشر بالزواج، يصح التعريف نفسه على الفتاتين تماماً كما لو أنهما معاً ستقتربان من زهرة وتشمانها بطريقة مختلفة. ستتملكهما تأثيرات مختلفة بشكل لا شعوري رغم أن الشكل الخارجي متشابه. ثمة فتاة لا نعرف عمرها رأت حلماً وحذرها من مشاكل على وشك أن تحيق بها في حين أن فتاة أخرى تلقت في نومها التحذير نفسه ولكن برموز مختلفة، فشلت في استيعابها وتذكرها في يقظتها لذا لم تعتقد أنها تلقت تحذيراً في حلمها.