للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دعك أذن عبد له على ذنب فعله، ثم قال له عثمان بعد ذلك: "تقدم واقرص أذني" فامتنع العبد، فألح عثمان عليه، فبدأ يقرص بخفة، فقال له عثمان: "أقرص جيدا فإني لا أتحمل عذاب يوم القيامة"، فقال العبد: "وكذلك يا سيدي، اليوم الذي تخشاه أخشاه أنا أيضا".

رفع عبد لزين العابدين شاة وكسر رجلها، فسأله الإمام: "لماذا فعلت هذا؟ " فقال العبد: "لأثير غضبك"، فرد عليه، "وأنا سأغضب من علّمك وهو إبليس، اذهب فأنت حر لوجه الله".

دخل رجل على سلمان الفارسي رضي الله عنه فوجده يعجن، فقال له: "يا أبا عبد الله، ما هذا؟ " فقال: "بعثنا الخادم في شغل، فكرهنا أن نجمع عليه عملين".

هذا وقد أمر الإسلام الحاكم أن يرصد ثُمُنَ الزكاة لفك الرقاب، أبعد هذا نتهم ونحن المدافعون، ويُبرَّأ غيرنا وهم الدافعون؟ أيدان البرآء ويبرؤ المجرمون؟ ولكن هكذا الإسلام، كتب عليه أن يظل في المعترك طالما الدنيا قائمة، وعندما تبيد بباطلها لن تكذب العين ناظرها، عندما ترى لمن انعقد النصر والعز أبد الآبدين.

أما عن مواد هذا الباب (الباب الرابع) التي تحدثت عن حق كل إنسان في تولي الوظائف رئاسية كانت أو مرؤوسية، ونحن لا نتركها منفلتة مطلقة، وإنما نشترط في ذلك الاستقامة على أمر الله والاشهاد بالأمانة والحرص على قضاء مصالح المسلمين، وسنكتفي بآيتين نفصلهما تفصيلا مسهبا إن شاء الله يستبين منهما القارئ ما وضعه الإسلام من ركيزة راسخة الغور، تقوم عليها ولاية الأعمال في الدولة لتخدم غيرها وليس لتخدم هي، والآية الأولى تتصل برأس الدولة، والثانية بأعضائها الذين يتكون منهما جسم هذه الدولة.

فعن الأولى يقول عز من قائل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} ، والتمكين في الأرض هو بأعلى ما يتولى الإنسان من شؤون يصبح بها سيد قومه المطاع، وقد أشير بذلك في أكثر من آية، كقوله سبحانه عن ذي القرنين {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ، فقد آتاه سبحانه من القوة والسلطان ما ذكرت الآية بعد ذلك، وكقوله تعالى {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} ، وكقوله تعالى {ولقد مكناهم فيما إن مكنَّاكم فيه} أي القوة والجاه والسلطان.

{أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} أي أساس التمكين أن يقوم الممكَّن بما يجعل من نفسه نموذجا طيبا يُتَّبع الذين سادهم وتولى أمرهم، وأساس هذا الذي يجعل منهم أهلا إلى أن يهابوا ويُتبعوا، هو أن يتبّعوا ما أمر به من الله جل علاه، ومستحيل أن يكون ذلك بغير الصلاة والزكاة، واكتفت الآية بهما لأنهما قمة العبادات وأحبها إلى الله، وإتيانهما بصدق يلزم المعتز بهما أن يجعل بقية العبادات في نفس الدرجة من حيث الحرص والأداء، ولو كانت سننا ومستحبات {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} . فهو بعد أن يأخذ نفسه أولا حتى يرى من رعيته على الحال الجميل الذي أسلفنا، فتأتي النظرية المأثورة سلسلة سهلة (الناس على دين ملوكهم) ، لكنه لم يقف عند تأثر الناس بمسلكه، بل راح يبحث ويراقب من

<<  <  ج: ص:  >  >>