للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بجميع أنواعها والاستيلاء بالوصايا والهدايا والتوارث ونحو ذلك، فيصبح المجتمع كله نعم الخليفة لله في أرضه، وفي الآخرة هم سعداء خلقه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة} {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَر} ، هكذا مجتمع المعرفة بالله، من قبل ومن بعد، ثم تستمر الآية التي نحن بصددها والتي أعطت حق العمل الجليل المستمر من السفح إلى الذُّرى قائلة:

{وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} إذ لا عمل ولا هناء بعمل ولا استقرار به من الفرد إلى المجموع إلى الحاكم إلا بالدين الذي ارتضى لهم، وليس سواه البتة {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} ، يمكنه الله لهم يجعلهم يعيشون في عز أحكامه ونور تنفيذه، يعبدون به ويحكمون به ويسوسون بأوامره ونواهيه، ويقاتلون به ومن أجله، وينشرونه ويمكنون مكانه في البلاد والعباد، وهل إذ أصبح قوم هذا شأنهم يخوفهم الله من أحد سواه؟ {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فلا قوة كفار أفرادا كانوا أو دولا يستطيعون تخويفهم أو كسر شوكتهم، أليس الله بكاف عبده؟ {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِه} ، ثم تستمر آياتنا قائلة: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} ثناء من الله عليهم أولا، وسبب لما أصبحوا فيه ثانيا، وهل يكون العابد الموحد، والمعتمد على قهر القاهر فوق عباده، وعلى القائل عن نفسه {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنّ} هل يكون هذا النوع من الذين أدركوا الحقيقة، إلا أن يمكن لهم في الدنيا وفي الآخرة من مالكهما وحده علا وعز.

{وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فبعد أن علم وفهم، ثم أنكر وراح يكفر، فهل بأقل من الفسق يوصف، وما من وصف هو أدنأ من الفسق، فهو لمعصيته المتمردة على كل معقول ومنقول مقبول، فهو متمرد على نفسه وظالم لها مبين، وكتمرد على كل ناصح أمين، ونهاية الأمر أن ذلك أوصله إلى التمرد على رب العالمين، فهل يبقى هملا ويترك عبثا، أم هو هذا الاستفهام الإنذاري التحقيري {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ} .

ذلك - بعد تحليل هاتين الآيتين - هو حقيقة العمل للصغير والكبير والمحكوم والحاكم، بشروطه الرائعة التي وضعتها الآيتين، وميزته الفذة الفريدة، أنه عمل مُسعد لأهله حالا مآلا، وليس على طريقة حقوق الإنسان التي وضعها لنفسه، فهي مادة صرفة تنتهي بنهاية مادة الدنيا، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

ثم كعاتنا نقدم من عاطر ما سلف من أيامنا نماذج نصِّية لا تعليق معها.

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله: ألا تستعملني؟ - أي توكل إليّ بعض عملا - فضرب بيده على منكبي ثم قال: "يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها" رواه مسلم.

وعن يزيد بن أبي سفيان قال: قال لي أبو بكر الصديق حين بعثني إلى الشام، يا يزيد، إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة، وذلك أكثر ما أخاف عليك بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمّر عليهم أحد محاباه، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفا

<<  <  ج: ص:  >  >>