أما القوامة وما يتصل بها، فسأعود إليها في فاصل آخر يأتي بعد إن شاء الله، وسأبدأ الآن من قوله تعالى:
{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} ، أي مطيعات حافظات لغيب الزوج في عرضه وولده وماله {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} ، يعني حقها الذي أمر الله زوجها أن يفي لها به مقابل حفظها له، فإذا قام الرجل بما عليه- فليس غير القائم محل حديثنا- وإن كنا لن نغفله ولو بقليل؛ لأن حديثنا الآن حول المرأة؛ ولأن الآية التي نحن بصددها مختصة بها أيضا، فإذا لم تعد مطيعة لزوجها حافظة لغيبه، وبدأ (النشوز) وهو التمرد والمعصية، فهل تخرج طلقات الطلاق كما يطلق المدفع الرشاش، لتقتل أسرة بأكملها ولتصبح مشردة تعسة في هذه الحياة؟ ، تباعد بين زوجين عزيزين أفضيا إلى بعضهما، وتحكم باليتم المحزن على أطفال برآء لم يمت أبواهما، لمجرد لحظات من تعكير صفو، كما يفعل الآن الكثير من المتهورين والمندفعين.
ولننظر كيف يكون من القرآن وقتئذ، فقد جعل الطلاق آخر مرحلة من خمس مراحل، بعد أربع لا بد أن تسبق خامستها، وهي مرحلة الفراق.
الأولى: مرحلة الكلام الهادىء، المرهب أو المرغب، وهو المعبر عنه بقوله تعالى:{فَعِظُوهُنَّ} ، ولا يكتفي بذلك بيوم ولا بأيام، وإنما بمدة تكفى للتفكر والتبصر، ولو طال هذا النصح سنة أو أكثر، فإن انتهى النشوز، وإلا فالمرحلة الثانية، وهي الابتعاد عن فراشها، فلا يمسها بمدة تشغل بالها، بنحو الخوف من أن يتجه إلى غيرها، وهو المعبر عنه بقوله تعالى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} ، والغيرة عند المرأة معروفة، فإذا طال الأمر ولم تقلع، فتأتي المرحلة الثالثة وهي الضرب، ولكم أسيء إلى هذه الكلمة إساءة بالغة، سواء ممن لم يفهمها من المسلمين، أو ممن سمعها منا أعداء الإسلام المتربصين، فقالوا إن دينكم يأمر بضرب المرأة، وربما قطعت هذه الجملة من الآية بتعمد لئيم مقصود، ورددتها كثيرات من المتعلمات التعليم المعروف الذي لا صلة له بالإسلام، فلم تذكر الآية بكاملها، وإنما على طريقة {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} و {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} فمع أن كلمة الضرب لم تأت إلا في ثالث مرحلة قد تكون بعد سنوات يهب الوعظ والهجر، فإنها ليست بالأمر اللازم التنفيذ، بمعنى أن الزوج إذا رأى أن الجرم الذي وقع منها يوجب ضربها، ولكنه تنازل عنه ولم يضرب، فهل عليه من إثم؟، لم يقل أحد بذلك أبدا، ودليل أنه ثبت عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم أنه لم يستعمل هذه الرخصة أبدا، فلم يضرب واحدة من زوجاته قط طول حياته، رغم أنهن أغضبنه لأكثر من مرة كما نعلم، ثم إن معنى الضرب هنا بما أجمع عليه المفسرون أخذاً من