للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضمنه الله علم الدنيا والآخرة، نظرا وكونا وجِرما وفكرا وبحثا ونقلا {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} . الله أكبر. فماذا بعد هذا؟ ورحنا نستجدي ونحن الأكرم والأجدى بما علّمنا به الذي علمْنا به، سبحانه، ولكن أساس حيرتنا وتطلعنا إلى ما في يد الغير من كل شؤون الدنيا علماً أو غيره، هو فراغ قلوبنا من كامل الإيمان بالذي وسع كل شيء علماً. فالأزمة أزمة إيمان قبل كل شيء، ولقد أهاجني حقاً تلك الكلمات التي ذكرها الأستاذ نديم الجسر في كتابه القيم والذي عنونه بهذا العنوان الرائع (قصة الإيمان) ، وسأنقل هذه الكلمات هنا لي ولمن يعجب بها معي، يقول الأستاذ نديم الجسر:-

إن لإيمان بالله هو: رأس الفضائل، ولجام الرذائل، وقوام الضمائر، وسند العزائم في الشدائد، وبلسم الصبر عند المصائب، وعماد الرضا والقناعة بالحظوظ، ونور الأمل في الصدور، وسكن النفوس إذا أوحشتها الحياة. وعزاء القلوب إذا نزل الموت أو قربت أيامه. والعروة الوثقى بين الإنسانية ومثلها الكريمة، ولا يخدعنك عن هذا من يقول لك: إن مكارم الأخلاق تغني- بوازع الضمير- عن الإيمان، لأن مكارم الأخلاق، التي تواضعنا عليها للتوفيق بين غرائزنا وحاجات المجتمع، لا بد لها عند اعتلاج الشهوات في الشدائد والأزمات، أن تعتمد على الإيمان، بل إن هذا الشيء الذي نسميه ضميراً، إنما يعتمد في سويدائه على الإيمان، وانقياد الناس لمكارم الأخلاق، إنما يكون بزاجر من السلطان. أو وازع من القرآن، أو رادع من المجتمع.

ثم يستمر الأستاذ نديم فيقول:-

فإذا كنا في نجوة من سلطان القانون والدين والمجتمع، لم يبق لنا وازع، إلا الضمير، ونحن في معركة الشهوات والغرائز مع الضمائر. قلّ أن نرى الضمير منتصرة إلا عند القلة من الناس، وهذه القلة نفسها لا تستمسك بضمائرها عند جموح الشهوات إلا إذا كانت تخشى الله يا حيران. ولو تركنا مكارم الأخلاق جانبا ونظرنا إلى حاجتنا إلى الإيمان، من حيث هو سند في الشدائد، وبلسم للمصائب، وسكن للنفوس، وعزاء للقلوب، وعلاج لشقاء الحياة، لوجدنا أننا عند فقد الإيمان نكون أسوأ حظاً في الحياة، وأدنى رتبة في سلم المخلوقات من أذل البهائم، وأضعف الحشرات، وأشرس الضواري ... فالبهائم تجوع كما نجوع، ولكنها في نجوة من هم الرزق. وخوف الفقر. وكرب الحاجة. وذل السؤال. وهي تلد كما نلد، وتفقد أولادها كما نفقد. ولكنها في راحة من هلع المثكلة، وجزع الميتمة، وهم اليتامى المستضعفين. وهي في أجسادها تلتذ كما نلتذ وتألم كما نألم. ولكنها في راحة مما يأكل القلوب، ويقرح

<<  <  ج: ص:  >  >>