للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

أقول: أي أنه سبحانه لما ولي أمر المؤمنين كان من مظاهر ولايته لهم أنه يتولى إخراجهم من الظلمات إلى النور.

ويقول الإمام الشوكاني: أن المراد بقوله {الَّذِينَ آمَنُوا} أي أرادوا الإيمان، لأن من وقع منه الإيمان قد خرج من الظلمات إلى النور، إلا أن يراد بإخراج المؤمنين من الظلمات إخراجهم من الشُبه التي تعرض لهم، فلا يحتاج إلى تقدير الإرادة.

ثم قال الشوكاني أن المراد بالنور في قوله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} ما جاء به أنبياء الله من الدعوة إلى الدين، فإن ذلك نور للكفار أخرجهم أولياؤهم عنه إلى ظلمة الكفر: أي قررهم أولياؤهم على ما هم عليه من الكفر بسبب صرفهم عن إجابة الداعي إلى الله من الأنبياء، ثم قال: وقيل: المراد بالذين كفروا هنا: الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم يخرجهم أولياؤهم من الشياطين ورؤوس الظلال من النور الذي هو فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها إلى ظلمات الكفر التي وقعوا فيها بسبب ذلك الإخراج١.

ومثل قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران آية ٦٨) .

ومعنى أن الله ولي المؤمنين، أي أنه يتولى أمر المؤمنين جميعا بما فيهم أنبياؤه ورسله٢.

أقول: ومن ثم فكل مؤمن لا ولي له إلا الله جل جلاله، يفوض له كل أمره، ليصرفه سبحانه بما يصلح لعبده المؤمن.

ومعنى هذه الآية الكريمة: أن أحق الناس بإبراهيم عليه السلام أولئك الذين اتبعوه على دينه في حينه. وكذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته الذين تبعوهم بإحسان. وقد روى سعيد بن منصور -بسنده- عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي ولاة من النبيين، وإن ولي منهم أبي وخليل ربي عز وجل إبراهيم عليه السلام". ثم قرأ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ... } ٣.

ومثل قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الشورى آية ٩) .

والوليّ هنا معناه: أنه متولي شؤون خلقه، فهو وحده القادر على إحياء الموتى: وهو


١ فتح القدير الجزء الأول ص ٢٧٦.
٢ تيسر العلي القدير المجلد الأول ص ٢٨١.
٣ المرجع السابق المجلد الثالث ص ٥٧٣.