للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

واقترن اسم (الحميد) باسم الغني (الغني) سبحانه كذلك في مثل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} (النساء آية١٣١) .

ومعنى هذه الآية: على ما ذكره الحافظ ابن كثير أن الله تعالى مالك السماوات والأرض، وأنه الحاكم فيهما، وأنه وصى المؤمنين، بما وصى به الذين أوتوا الكتاب من قبلهم من تقوى الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له، وأنهم لم كفروا فإنه سبحانه غني عن عباده، حميد أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه١.

والمعنى عند الإمام الشوكاني تقرير كمال سعته سبحانه وشمول قدرته، وقد أمر الذين أوتوا الكتاب والمؤمنين فيما أنزل عليهم من الكتب بأن يتقوا الله، فإنهم إن يكفروا فإن الله غني عنهم إن يشأ يذهبهم ويأت بقوم آخرين لا يكونون أمثالهم، والله سبحانه غني عن خلقه، حميد أي مستحمد إليهم٢.

وقد ساق الشيخ السعدي (رحمه الله) للآية معاني نفيسة، فذكر أن الله تعالى يخبر عن عموم ملكه العظيم الواسع المستلزم تدبيره بجميع أنواع التدبير، وتصرفه بأنواع التصريف قدرا وشرعا. فتصرفه الشرعي أن وصى الأولين والآخرين أهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي، وتشريع الأحكام والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب والمعاقبة لمن أهملها وضيعها بأليم العذاب.

ولهذا قال: {وَإِنْ تَكْفُرُوا} بأن تتركوا تقوى الله وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم، ولا تضرون الله شيئا، ولا تنقصون ملكه، وله عبيد خير منكم وأعظم وأكثر، مطيعون له، خاضعون لأمره، ولهذا رتب على ذلك قوله: {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} له الجود الكامل، والإحسان الشامل، الصادر من خزائن رحمته التي لا ينقصها الإنفاق، ولا يغيضها نفقة، سحّاء الليل والنهار، لو اجتمع أهل السماوات وأهل الأرض أولهم وآخرهم فسأل كل واحد منهم ما بلغت أمانيه، ما نقص من ملكه شيئا، ذلك بأنه جواد واجد ماجد،


١ تفسير القرآن الكريم الجزء الأول ص٥٦٤
٢ فتح القدير الجزء الأول ص٥٢٣.