للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

عطاؤه كلام، وعذابه كلام، إنما أمره لشيء إذا أراد أن يقول له كن فيكون. ومن تمام غناه أنه كامل الأوصاف، إذ لم كان فيه نقص بوجه من الوجوه لكان فيه نوع افتقار إلى ذلك الكمال، بل له كل صفة كمال، ومن تلك الصفة كمالها، ومن تمام غناه أنه لم يتخذ صاحبة، ولا ولدا، ولا شريكا في ملكه، ولا ظهيرا، ولا معاونا له على شيء من تدابير ملكه. ومن كمال غناه افتقار العالم العلوي والسفلي في جميع أحوالهم وشئونهم إليه، وسؤالهم إياه جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة، فقام تعالى بتلك المطالب والأسئلة، وأغناهم، ومنّ عليهم بلطفه وهداهم.

وأما (الحميد) فهو من أسماء الله تعالى الجليلة، الدال على أنه المستحق لكل حمد، ومحبة، وثناء، وإكرام، وذلك لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفة الجمال والجلال، ولما أنعم به على خلقه من النعم الجزال، فهو المحمود على كل حال.

وما أحسن اقتران هذين الاسمين الكريمين (الغني الحميد) ، فإنه غني محمود، فله كمال من غناه، وله كمال من حمده، وله كمال من اقتران أحدهما بالآخر١.

وذكر صاحب صفوة التفاسير أن المعنى هو أن {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} أي ملكا وخلقا وعبيدا، وأنه سبحانه وصى الأولين والآخرين وأمرهم أجمعين بامتثال الأمر والطاعة، ووصاهم جميعا بتقوى الله وطاعته، وإن يكفروا فلا يضره تعالى كفرهم، لأنه مستغن عن العباد، وهو المالك لما في السماوات والأرض، فهو غني عن خلقه، محمود في ذاته، لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين ٢.

فالحمد لله أولا وآخر، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


١ تيسير الكريم الرحمن –الجزء الثاني ص٨٩
٢ صفوة التفاسير المجلد الأول ص٣٠٩