للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال القشيري: "وقد حكى عن بعضهم أنه قال: رأيت بعض الوالهين، فقلت ما اسمك؟ فقال: هو، قلت من أنت؟ فقال: هو، قلت: من أين جئت؟ فقال: هو، قلت: من تعني بقولك: هو؟ فقال: هو، فما سألته عن شيء إلا قال: هو. فقلت: لعلك تريد الله، قال: فصاح وخرجت روحه١"ثم قال القشيري: "وقال أهل الإشارة٢: أن الله تعالى كاشف الأسرار بقوله: هو، وكاشف القلوب بما عداه من الأسماء، وقيل كاشف المحبين بقوله: هو، وكاشف المُتَيَّمينَ بقوله: الله، وكاشف العلماء بقوله: أحد، وكاشف العقلاء بقوله: الصمد، وكاشف العوام بقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، وقيل: كاشف الخواص بإلهيته، وكاشف خاصة الخاصة بهويته ... الخ "٣.

هذا ما قاله القشيري في معنى (هو) ٤.

وأعجب مما كتبه القشيري، ما كتبه محقق وشارح كتابه في هامشه، إذ قال:

"هو: اسم من أسماء الله، له هيبة وجلال عند أرباب الطريق والمكاشفات وأهل المشاهدة ٥. ومخرجه من باطن القلب، وله حرارة تزكي الجسد والروح،


١ أقول: وهذه الحكاية فضلاً عن نسبتها إلى مجهولين بدون إسناد، فإنها نوع من خيال المبتدعة المبطلين الذين يعيشون مع الأوهام التي تنسجها لهم الشياطين.
٢ أقول: يقصد بأهل الإشارة: الصوفية.
٣ أقول: قوله كاشف بقوله (هو) ليس دليلا على أن اسمه سبحانه (هو) . بل إن (هو) ضمير يدل عليه سبحانه كما يقول تعالى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} . فهل قال أحد بأن كلمة (أنا) اسم من أسماء الله تعالى؟ ما قال بذلك أحد، بل قال الجميع: إن هذه الكلمة ضمير يدل على المتكلم - فما الفرق إذن بين الضمير المتكلم (أنا) والضمير الغائب (هو) ؟ لا إله إلا الله إله إلا الله إله إلا الله فرق بينهما في كون كل منهما ضميراً، وليس واحد منهما اسماً من أسماء الله تعالى على الإطلاق. ودليلنا في هذا عدم ورود النص في الكتاب والسنة بشيء من ذلك. والله سبحانه أعلم.
٤ شرح أسماء الله الحسنى للقشيري ص ١٢١، ١٢٢، ١٢٣.
٥ أقول: يقصد المحقق الشارح بأرباب الطريق والمكاشفات وأهل المشاهد: أهل الطرق الصوفية.
ذلك بأن عقيدة هؤلء الضالة الباطلة أن غاية التصوف: إنما هو الكشف والمشاهدة، بمعنى أن يكشف لأحدهم اللوح المحفظ فيقرأ فيه ما كان وما سيكون، وأن يشاهد الله تعالى فيراه رأي العين. ويقرر الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين جزء ٢ ص١٦٦ أن المشاهدة تتم أثناء الخلوة إذ يقول: "الخلوة لا تكون إلا في بيت مظلم، فإن لم يكن له مكان مظلم، فيلف رأسه بجيبه أو يدثر بكساء أو ازار، ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق، ويشاهد جلال الحضرة الربوبية" - وعقيدة المشاهدة باطلة. والحق فيها ما اعتقده أهل السنة والجماعة من أن الله تعالى ادخر رؤيته سبحانه للمؤمنين في الجنة. فتكون هذه الرؤية لهم في وضوحها كما يرون القمر ليلة البدر. وتكون أعظم ما ينالون. بل أعظم من الجنة. وذلك في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس٢٦) .والحسنى هي الجنة. والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل. ومن ثم فرؤية الله في الدنيا لم يمكن عباده منها بل ادخرها للمؤمنين في الجنة. ومن هذا يتضح بطلان عقيدة الصوفية في المشاهدة في الدنيا.