نكرة أي لخلق أو جمع. والله ليوفينهم ربك أعمالهم من حسن وقبيح وإيمان وجحود.
ومن قرأ «لما» مشددا فأصله «لمن ما» قلبت النون ميما فاجتمع ثلاث ميمات، فحذفت الأولى تخفيفا، وجاز حذف الأولى وإبقاء الساكنة لاتصال اللام بها. ويجوز أن يكون أصله «لما» بالتنوين- كما في قراءتي الزهري وسليمن بن أرقم- فحذف فبقى «لما» ممدودا ومعناه ملمومين أي مجموعين. وقرأ أبيّ وإن كل لما ليوفينهم على أن «إن» نافية و «لما» بمعنى «إلا» كما في الطارق. ولا يخفى ما في الآية من مؤكدات توفية الجزاء وأن شيئا من الحقوق لا يضيع عنده. منها لفظة «إن» ، ومنها لام خبر «إن» ، ومنها «كل» ، ومنها «ما» المزيدة، ومنها القسم، ومنها لام القسم، ومنها نون التأكيد، ومنها لفظ التوفية، ومنها ربك فإن من يربيك يقدر على توفية حقك، ومنها الجمع المضاف، ومنها ختم الآية بقوله: إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فإنه إذا كان عالما بكل المعلومات قادرا على كل المقدورات كان عالما بعمل كل أحد وبمقدار جزاء عمله، وقادرا على إيصال ذلك إليه، ثم إن كلامه حق وصدق وقد أخبر عن التوفية مع المؤكدات المذكورة فيقع وعده ووعيده لا محالة. ثم أمر نبيه لتقتدي به أمته بكلمة جامعة للعقائد والأعمال قائلا فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ عن جعفر الصادق رضي الله عنه: معناه افتقر إلى الله بصحة العزم يعني الوثوق به والتوكل عليه وَمَنْ تابَ مَعَكَ عطف على الضمير في فَاسْتَقِمْ وصح للفصل أو هو ابتداء أي ومن تاب معك فليستقم أو مفعول معه. ثم كما أمر بالاستقامة على جادّة الحق نهى عن الانحراف عنها فقال وَلا تَطْغَوْا والطغيان مجاوزة الحد. وقال ابن عباس: يريد تواضعوا للحق ولا تتكبروا على الخلق. وخصص بعضهم الطغيان بالتجاوز عن حدود القرآن بتحليل حرامه وتحريم حلاله. وهذه الآية أصل عظيم في الشريعة فيكون الترتيب في الوضوء واجبا كما ورد في القرآن، وكذلك القول في الحدود والكفارات ونصاب الزكاة وأعداد الركعات وغيرها من جميع المأمورات والمنهيات.
ويجب الاحتياط في المسائل الاجتهادية وفي القياسات، وكذا في الأخلاق والملكات وفي كل ما له طرفا إفراط وتفريط فهما مذمومان. والمحمود هو الوسط وهو الصراط المستقيم المأمور بالاستقامة والثبات عليه. ولا ريب أن معرفته صعبة وبتقدير معرفته فالعمل به والبقاء عليه أصعب ولهذا
قال ابن عباس: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية في القرآن أشد ولا أشق من هذه حتى إن أصحابه قالوا له: لقد أسرع فيك الشيب فقال صلى الله عليه وسلم: شيبتني هود
أعني هذه الآية منها. ثم لما كان لقرين السوء مدخل عظيم في تغيير العقائد وتبديل الأخلاق نهى عن مخالطة من يضع الشيء في غير موضعه فقال: وَلا تَرْكَنُوا أي لا