الرابع فيما يختص بتفسير الحمد لله من الفوائد. الفائدة الأولى في الفرق بين الحمد والمدح والشكر. المدح للحي ولغير الحي كاللؤلؤة والياقوتة الثمينة، والحمد للحي فقط.
والمدح قد يكون قبل الإحسان وقد يكون بعده، والحمد إنما يكون بعد الإحسان. والمدح قد يكون منهيا عنه
قال صلى الله عليه وسلم: «احثوا التراب في وجوه المداحين» «١»
والحمد مأمور به مطلقا
قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يحمد الناس لم يحمد الله»
والمدح عبارة عن القول الدال على أنه مختص بنوع من أنواع الفضائل باختياره وبغير اختياره، والحمد قول دال على أنه مختص بفضيلة اختيارية معينة وهي فضيلة الإنعام إليك وإلى غيرك، ولا بد أن يكون على جهة التفضيل لا على سبيل التهكم والاستهزاء، والشكر على النعمة الواصلة إليك خاصة وهو باللسان، وقد يكون بالقلب والجوارح قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
والحمد باللسان وحده فهو إحدى شعب الشكر ومنه
قوله صلى الله عليه وسلم «الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده»
وإنما جعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها وأدل على مكانها من الاعتقاد وأداء الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كل خفي. والحمد نقيضه الذم ولهذا قيل: الشعير يؤكل ويذم. والمدح نقيضه الهجاء، والشكر نقيضه الكفران، إذا عرفت ذلك فنقول: إذا قال المدح لله لم يدل ذلك على كونه تعالى فاعلا مختارا لما مر أن المدح قد يكون لغير المختار. ولو قال: الشكر لله كان ثناء بسبب إنعام وصل إلى ذلك القائل. وإذا قال: الحمد لله فكأنه يقول سواء أعطيتني أو لم تعطني فإنعامك واصل إلى كل العالمين وأنت مستحق للحمد العظيم، ولا ريب أن هذا أولى. وقيل:
الحمد لله على ما دفع من البلاء، والشكر لله على ما أعطى من النعماء، والنعمة في الإعطاء أكثر من النعمة في دفع البلاء، فكأنه يقول: أنا شاكر لأدنى النعمتين فكيف بأعلاهما؟
ويمكن أن يقال: إن المنع غير متناه والإعطاء متناه، والابتداء بشكر دفع البلاء الذي لا نهاية له أولى، وأيضا دفع الضرر أهم من جلب النفع فتقديمه أحرى.
الثانية: لو قال: أحمد الله أفاد كون ذلك القائل على حمده، وإذا قال: الحمد لله أفاد أنه كان محمودا قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين. وأيضا الحمد لله معناه أن مطلق الحمد
(١) رواه مسلم في كتاب الزهد حديث ٦٨، ٦٩. أبو داود في كتاب الأدب باب ٩. الترمذي في كتاب الزهد باب ٥٥. ابن ماجه في كتاب الأدب باب ٣٦. أحمد في مسنده (٢/ ٩٤) .