للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثناء حق لله وملكه كما ينبىء عنه اللام الجنسية واللام الجارة وذلك بسبب كثرة إيلائه أنواع آلائه على عبيده وإمائه. ولا يخفى أن هذا أولى من أن يحمده شخص واحد فقط، ولهذا لو سئلت هل حصل لفلان عليك نعمة؟ فإن قلت نعم فقد حمدته ولكن حمدا ضعيفا، ولو قلت في الجواب بل نعمه على كل الخلائق كان أكمل. فإن قيل: أليس أن المنعم يستحق الحمد من المنعم عليه؟ فالأستاذ يستحق الحمد من التلميذ، والسلطان العادل يستحق الحمد من الرعية،

وقال صلى الله عليه وسلم: «من لم يحمد الناس لم يحمد الله» ؟

قلنا: المنعم في الحقيقة هو الله لأنه خلق تلك الداعية في ذلك المنعم بعد أن خلق تلك النعمة وسلط المنعم عليها ومكن المنعم عليه من الانتفاع وأمنه من فوات الانقطاع، ولهذا قال عز من قائل وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: ٥٣] وأيضا كل مخلوق ينعم على غيره فإنه يطلب بذلك الإنعام عوضا إما ثوبا أو ثناء، أو تحصيل خلق أو تخلصا من رذيلة البخل. وطالب العوض لا يكون منعما ولا مستحقا للحمد في الحقيقة، أما الله سبحانه فإنه كامل لذاته والكامل لذاته لا يطلب الكمال، لأن تحصيل الحاصل محال فكان عطاؤه جودا محضا، فثبت أن لا مستحق للحمد إلا الله تعالى.

الثالثة: إنما لم يقل «احمدوا الله» لأن الإنسان عاجز عن الإتيان بحمد الله وشكره فلم يحسن أن يكلف فوق ما يستطيعه، وذلك أن نعم الله على العباد غير محصورة وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم: ٣٤] وإذا امتنع الوقوف عليها امتنع اقتداره على الشكر والثناء اللائق بها. وأيضا إنما يمكنه القيام بحمد الله وشكره إذا أقدره الله على ذلك الحمد والشكر وخلق في قلبه داعية ذلك وأزال عنه العوائق والصوارف، وكل ذلك إنعام من الله فيتسلسل. وأيضا الاشتغال بالحمد والشكر معناه أن المنعم عليه يقابل إنعام المنعم بشكر نفسه، ومن اعتقد أن حمده وشكره يساوي نعمة الله فقد أشرك، وهذا معنى قول الواسطي «الشكر شرك» أما إذا قال: «الحمد لله» فالمعنى أن كمال الحمد حقه وملكه سواء قدر الخلق على الإتيان به أو لم يقدروا. ونقل أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك وشكري لك لا يتم إلا بإنعامك علي وهو أن توفقني لذلك الشكر؟ فقال: يا داود لما علمت عجزك عن شكري فقد شكرتني بحسب قدرتك وطاقتك.

الرابعة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا أنعم الله على عبد فقال: «الحمد لله» يقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي أعطيته ما لا قدر له فأعطاني ما لا قيمة لا»

ومعناه أن ما أنعم الله على العبد شيء واحد، وإذا قال: الحمد لك فمعناه المحامد التي أتى بها الأولون والآخرون من الملائكة

<<  <  ج: ص:  >  >>