للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثقلين لله تعالى، وكذا المحامد التي سيذكرونها إلى وقت قوله تعالى دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠] وإلى أبد الآبدين ودهر الداهرين فالمنعم به متناه والحمد غير متناه، وإذا أسقط المتناهي من غير المتناهي بقي غير المتناهي. فالذي بقي للعبد طاعات غير متناهية فلا بد من مقابلتها بنعم غير متناهية، فلهذا يستحق العبد الثواب الأبدي والخير السرمدي.

الخامسة: لا شك أن الوجود خير من العدم، وأن وجود كل ما سوى الله فإنه حصل بإيجاد الله وجوده، فإنعام الله تعالى واصل إلى كل من سواه، فإذا قال العبد: «الحمد لله» فكأنه قال: الحمد لله على كل مخلوق خلقه، وعلى كل محدث أحدثه من نور وظلمة وسكون وحركة وعرش وكرسي وجني وإنسي وذات وصفة وجسم وعرض من أزل الآزال إلى أبد الآباد، وأنا أشهد أنها بأسرها لك لا شركة لأحد فيها معك.

السادسة: التسبيح مقدم على التحميد لأنه يقال: سبحان الله والحمد لله. فما السبب في وقوع البداءة بالتحميد؟ والجواب أن التسبيح داخل في التحميد دون العكس، فإن التسبيح يدل على كونه مبرأ في ذاته وصفاته عن النقائص، والتحميد يدل على كونه محسنا إلى العباد، ولا يكون محسنا إليهم إلا إذا كان عالما بجميع المعلومات ليعلم مواقع الحاجات وإلا إذا كان قادرا على المقدورات ليقدر على تحصيل ما يحتاجون إليه، وإلا إذا كان غنيا في نفسه وإلا شغله حاجة نفسه عن حاجة غيره، فثبت أن كونه محسنا لا يتم إلا بعد كونه منزها عن النقائص والآفات.

السابعة: الحمد له تعلق بالماضي وهو وقوعه شكرا على النعم السابقة، وتعلق بالمستقبل وهو اقتضاء تجدد النعم لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: ٧] فبالأول يغلق عنك أبواب النيران، وبالثاني يفتح لك أبواب الجنان، فإن الحمد لله ثمانية أحرف بعدد أبواب الجنة.

الثامنة: الحمد لله كلمة جليلة لكنه يجب أن تذكر في موضعها ليحصل المقصود. قال السري: منذ ثلاثين سنة أستغفر الله لقولي مرة واحدة الحمد لله. وذلك أنه وقع الحريق في بغداد وأحرقت دكاكين الناس فأخبرني واحد أن دكاني لم يحترق فقلت: الحمد لله. وكان من حق الدين والمروءة أن لا أفرح بذلك، فأنا في الاستغفار منذ ثلاثين سنة. فالحمد على نعم الدين أفضل من الحمد على نعم الدنيا، والحمد على أعمال القلوب أولى من الحمد على أعمال الجوارح، والحمد على النعم من حيث إنها عطية المنعم أولى من الحمد عليها من حيث هي نعم، فهذه مقامات يجب اعتبارها حتى يقع الحمد في موضعه اللائق به.

<<  <  ج: ص:  >  >>