التاسعة: أول ما بلغ الروح إلى سرة آدم عطس فقال: «الحمد لله رب العالمين» وآخر دعوى أهل الجنة «الحمد لله رب العالمين» . ففاتحة العالم مبنية على الحمد وخاتمته مبنية على الحمد، فاجتهد أن يكون أول أعمالك وآخرك مقرونا بكلمة الحمد.
العاشرة: لا يحسن عندنا أن يقدّر قولوا: «الحمد لله» لأن الإضمار خلاف القياس، ولأن الوالد إذا قال لولده: أعمل كذا وكذا فلم يمتثل كان عاقا، فالأولى أن يقول الأمر الفلاني ينبغي أن يفعل. ثم إن كان الولد بارا فإنه يجيبه ويطيعه وإن كان عاقا كان إثمه أقل، فكذلك إذا قال: الحمد لله فمن كان مطيعا حمده ومن كان عاصيا كان إثمه أقل، بخلاف ما لو قدر «قولوا الحمد لله» .
الحادية عشرة: شنعت الجبرية على المعتزلة ومن يجري مجراهم بأنكم تثبتون للعبد فعلا واختيارا، واستحقاق الحمد إنما يكون على أشرف النعم وهو الإيمان، فلو كان الإيمان بفعل العبد لكان المستحق للحمد هو العبد. والجواب أن الإيمان باختيار العبد لكن الاختيار أيضا مستند إلى الله تعالى فاستحق الحمد لذلك. وشنعت المعتزلة على الجبرية بأن قوله «الحمد لله» لا يتم إلا على مذهبنا لأن المستحق للحمد على الإطلاق هو الذي لا قبح في فعله ولا جور في قضيته، وعندكم لا قبح إلا وهو فعله، ولا جور إلا وهو حكمه.
والجواب أن القبح والجور إنما يثبتان لو أمكن تصور الفعل المخصوص في القابل المخصوص أحسن وأتم مما صدر لكنه محال، فإنه تعالى حكيم وكل ما يصدر عن الحكيم كان على أفضل ما يمكن بالنسبة إلى المحل المخصوص.
الثانية عشرة: اختلفوا في أن شكر المنعم واجب عقلا أو شرعا. فمنهم من قال عقلا ومن جملة أدلتهم قوله «الحمد لله» فإنه يدل على ثبوت الاستحقاق على الإطلاق. وأيضا عقبه بقوله «رب العالمين» وترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على كون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف، فدل ذلك على أن استحقاقه للحمد ثابت بكونه ربا للعالمين قبل مجيء الشرع وبعده. والجواب أن استحقاقه لمثل هذا الحمد عرفناه من قبل الشرع. واعلم أن الحمد سبيله سبيل سائر الأذكار والعبادات في أنها إنما يؤتى بها لا لأن الله تعالى مستكمل بها ولا لأنه تعالى مجازي بها، ولكنها لتحقيق نسبة العبودية وإضافة الإمكان الله حسبي الخامس في فوائد قوله رب العالمين.
الأولى: الموجود إما واجب لذاته وهو الله سبحانه وتعالى فقط، وإما ممكن لذاته وهو كل ما سواه ويسمى العالم كما مر، وذلك إما متحيز أو صفة للمتحيز أو لا هذا ولا ذاك.