مَثْوَاهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجِذْعَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْحَيَاةِ وَمَعَ هَذَا حَصَلَ لَهُ شُعُورٌ وَوَجْدٌ لَمَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَأَنَّ وَحَنَّ حَنِينَ الْعِشَارِ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْتَضَنَهُ وَسَكَّنَهُ حَتَّى سَكَنَ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: فَهَذَا الْجِذْعُ حَنَّ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ أَنْ يحنوا إليه، وأما عود الحياة إلى الجسد كَانَتْ فِيهِ بِإِذْنِ اللَّهِ فَعَظِيمٌ، وَهَذَا أَعْجَبُ وأعظم من إِيجَادُ حَيَاةٍ وَشُعُورٍ فِي مَحَلٍّ لَيْسَ مَأْلُوفًا لِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ قَبْلُ بِالْكُلِّيَّةِ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (تَنْبِيهٌ) وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَاءٌ يُحْمَلُ مَعَهُ فِي الْحَرْبِ يَخْفِقُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَتْ لَهُ عَنَزَةٌ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ وَلَا حَائِلَ رُكِزَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ لَهُ قَضِيبٌ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ إِذَا مَشَى، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ سَطِيحٌ فِي قَوْلِهِ لابن أخيه عبد المسيح بن نفيلة: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ، إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَهْ، وَظَهْرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَهْ وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَهْ، فَلَيْسَتِ الشَّامُ لِسَطِيحٍ شَامًا، وَلِهَذَا كَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ إِحْيَاءِ عَصَا مُوسَى وَجَعْلِهَا حَيَّةً أَلْيَقَ، إذ هى مساوية لذلك، وهذه متعددة فِي مَحَالٍّ مُتَفَرِّقَةٍ بِخِلَافِ عَصَا مُوسَى فَإِنَّهَا إن تَعَدَّدَ جَعْلُهَا حَيَّةً، فَهِيَ ذَاتٌ وَاحِدَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ نُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى عَلَى يَدِ عِيسَى لِأَنَّ هَذِهِ أعجب وأكبر وأظهر وأعلم.
قَالَ شَيْخُنَا: وَأَمَّا أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا، فَقَدْ تَقَدَّمَ حُصُولُ الْكَلَامِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ليلة الإسراء مع الرؤية وهو أبلغ، هذا أورده فيما يتعلق بمعجزات موسى عليه السلام ليلة الإسراء فيشهد له: فنوديت يا محمد قد كلفت فريضتين وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَسِيَاقُ بَقِيَّةِ الْقِصَّةِ يُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ نَقْلَ خِلَافٍ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ فَفِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ، وَنَصَرَهَا مِنَ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمَشْهُورُ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute