الجد الكبير والشيخ العجوز ليلم به، وشعر عبد المطلب بقرب الأجل، ودنو ساعة الرحيل، وأحس بأن ساعة الفراق صارت وشيكة، فكان شغله الشاغل حفيده محمد، فدعا ابنه «أبا طالب» ليوصيه بمحمد ابن أخيه «عبد الله» خيرا.
ثم كانت ثالثة الأثافي، ونازلة النوازع، هي موت الجد، وتركه ابن ابنه وحيدا وقد فقد ثالث الأحبة الثلاثة جده بعد أبيه وأمه.
ترحل الصبي إلى بيت عمه، وانضم إلى أسرته، لكن وجدانه كان مشحونا، وضميره كان مشدودا إلى الذكريات القديمة الخالية في رعاية أمه، ثم ضياع أمله، وفقد القلب الحنون الذي أدرج في شق محدود في الأبواء، فانطفأ به شهاب السعادة وأظلمت شمس هنائه وفرحه ومرحه في طور الطفولة، ثم إنه بموت جده تنطوي صفحة أخرى من حياته، وهو في كل هذه الأطوار من التحولات الدقيقة تتحول أجواؤه النفسية من سوء إلى سوء حيث صار محوطا بالإحباط، ومكتنفا بالضيق، بينما يلهو الصبيان من حوله، ويتمارون فرحين في ملاعب حداثتهم ...
ظل في رعاية عمه مع أبناء عمه سبع عشرة سنة، وعمه كان أمينا عليه حسبما أوصاه أبوه به، فكان يتعهد ابن أخيه كواحد من أبنائه ضنينا به، حريصا عليه، لم يقصر في جانبه في قليل أو كثير..
لكن أبا طالب كان عائلا لأسرة كبيرة، يشقى ويكدح في سبيل لقمة العيش، فما إن وجد ابن أخيه قد بلغ مبلغ الرجال، وأصبح اعتماده على نفسه ممكنا، بل وواجبا لمن هو في مثل سنه، فإذا به يناديه ذات يوم في مطلع الشمس عن رحلة مرجوة الخير تعمد الى بلاد الشام، ويرجو أن ينشط ويطرق أسباب