لذلك ولهذه الأسباب مع استشراء كثير من الفساد والتحلل الوثني كان متوقعا ومترقبا سرعة بعث رسول ونبي آخر الزمان.. من ثم كانت منتديات العرب وأسمارها، ونبوآت الكهان، وإرهاصات الحنفاء، وأغاني الحداة الشادين في الفيافي والمفاوز والصحارى كلها تنذر بقرب الفرج ودنو ساعة الخلاص، فقد آن الأوان للتحرر، والإفلات من ربقة وأسر ومراس الوثنية والعبودية لغير الله. فإن لكل ظلم نهاية، ولكل جور دولة وإدالة.
كل الناس كانوا مترقبين اللحظة الحاسمة، لكن متى على وجه التحديد، وأين ومن المبعوث المرتقب؟ لا أحد يعلم ...
وبانبلاج النور، تحررت شهادة وفاة فورية لأصنام مكة، وكان محمد صلى الله عليه وسلم قد شارف وأناف على الأربعين، وكان ألف الخلوة في غار حراء في جبل ثور، وفي هذه الخلوة كانت تطيب نفسه، وتستجم روحه في رياضة روحية سامية، ونقاء وصفاء لا مزيد عليه ... في سكون الليل، وامتداد الصمت الرهيب والهدوء الساجي على المدى البعيد الشطون في إطار تعاقب الفتيان (الليل والنهار) تعاقبا مكرورا منتظما متناسقا لا يمكن أن يكون من صنع البشر أو تقديرهم.
في خلوته الرائعه عاشت روعة الكون، وسحر الطبيعه في دخيلته وطويته، وأخذ التفكير في الكون البعيد المترامي الأطراف منه كل مأخذ وهو يفكر ويفكر ويتأمل، ويتدبر ويسرح ببصره عبر الأفق البعيد.
وفي الليله المباركه الميمونة، وفي الموعد المنتظر نزل الوحي، وكانت مكة هي البقعة المباركه التي اختيرت لشرف هذا التنزيل، ففيها البيت العتيق الذي جعله الله تعالى مثابة للناس وأمنا، وإليه كان يحج الناس من قديم الزمان،