في ليلة القدر التي جعلها الله تعالى خيرا من ألف شهر وفي إحدى الليالي العشر الأخيرة، فتحت السماء أبواب الخير والرحمات إلى دنيا الأرض، وإلى عالم الأحياء، وكان محمد صلى الله عليه وسلم قد اختير لهذه المهمة الشاقة، ولهذا الشرف العظيم، والمجد الأثيل، فقد كان مخلوقا لهذا الحدث الجلل، ولم يكن غيره مؤهلا لشرف الاختيار ...
كانت رسالة الإسلام قد بدأت بنزول القرآن الكريم في ليلة القدر على قلب النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مباركة مشهودة، وكان هذا إيذانا بحياة جديدة، منوط بها الجهاد والكفاح والأذى والاضطهاد، والعنت المتصل.
كانت جزيرة العرب ترزح تحت نير الوثنية الصارخة المقبوحة، وطقوسها المرذولة، من عبادة الطواطم والتقرب إليها وترك عبادة الله وحده. وكانت ثمة إرهاصات شتى لنبي مرتقب ورسالة سماوية منتظرة وكان يترقبها علماء النصارى وأحبار اليهود، لما كان مخطوطا بين أيديهم من الكتب المقدسة غير المحرفة.
ثم إن اليهود كانوا مذعورين من النبي الرسول المرتقب، ويتربصون به الدوائر قبل معرفته وبعثته لشكوكهم وظنونهم من أنه سيأتي على دولتهم، ويستأصل شأفتهم.
وكان على طرف النقيض من اليهود علماء النصارى الذين كانوا متشوقين ظهور النبي المرتقب حتى يخلصم من مادية اليهود المحصنة.