واعتورها من الفزع والوجل ما لا يستطاع تصوره أو احتماله ... ثم توسلت إليه بالدعاء ضارعة متضرعة غير متضررة من شيء البتة إن أمسكها ولم يسرح، فهي لا تطلب شيئا لنفسها، ولا ترغب فيما ترغب النساء فيه منه، فهي لا ترجو غير الانتساب إليه زوجا حليلا وحسب، وتنكر على نفسها أن يكون لها مكان بين زوجاته. قالت في نبرة حزينة مؤثرة:
أمسكني، والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجا لك.
وبعد برهة لما أن تماثلت من الإفاقة من تلك الغاشية قالت بنبرة واجمة محزونة مجروحة مكلومة:
«أبقني يا رسول الله، وأهب ليلتي لعائشة، وإني لا أريد كما تريد النساء» .
استجداء، واستعطاف كريم، قوبل بكرم وسخاء منقطع النظير، من أكرم مخلوق، وأشرف مبعوث صلى الله عليه وسلم، فقام وتوضأ وصلى، وشعرت هي بعد ذلك بالرضى والسكينة، وبرد اليقين يترسل على صدرها بردا وسلاما، وأمنا وأمانا.
لقد كان قلبها عامرا بالإيمان، وفطرتها منحوتة من أكرم الخصال، منعوتة بجليل الشيم والصفات الخلقية، إذ قبلت أن تكون على هذا الوضع وعلى تلك الصورة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وبين زوجاته رضي الله عنهن.
عاشت في بيت النبوة، بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، فترة من الزمن امتدت إلى خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة أربع وخمسين من الهجرة من شهر شوال، وقيل إنها توفيت سنة خمس وخمسين.
ورواية ثالثة تقول: إنها توفيت في أثناء خلافة عمر بن الخطاب.