الواقع شيئا، فإن الحب القلبي والنفسي أمر لا إرادي محصن لا اختيار فيه ولا تخيير، لأن إرادة أي إنسان فيه مسلوبة، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يكون قادرا على إعطائها شعورا بالدفء العاطفي الذي تنتظره أية امرأة من حليلها، وهذا حق من ظاهر حقوقها التي لم ينكرها أحد ولم يجحدها إنسان، لكن هذا قسم النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يملك ...
إن ميل القلوب وتوافق الأرواح ليس أمرا سهلا ولا ميسورا أن يصبح موجها متكلفا، فما أظهر التكلف فيه وأبينه وفي ظهور التكلف في العواطف ما فيه من إفساد للمتعة الحقيقية.
وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منزها عن كل ما يوصم البشر، لأنه غاية في النقاء والصفاء والطهارة وسلامة الصدر، وحسن الطوية، ولم يكن يعمد إلى أدنى إيذاء لمسلم، فما بالنا بأم المؤمنين «سودة بنت زمعة» ... وأراد عليه الصلاة والسلام أن يريح نفسه ويرفع عن كاهله أثقالا من الهموم، لأنه لا يمكن أن يكون متكلفا في عاطفته تجاهها، وفي نفس الوقت لا يرضى بحال بحرمانها من حق تحرص عليه كل النساء على مختلف درجاتهن، فرأى أن يحسم هذا الأمر، فأجال الفكر وتدبر القضية مليا، فساورته فكرة لا مندوحة عنها، ولا محيص ولا متحول إلى غيرها ألا وهي أن يسرحها سراحا جميلا حتى يرحم نفسه ويرحمها من هذا الشعور القاسي والمؤلم.
وفي إحدى لياليها، جلس صلى الله عليه وسلم إلى جوارها، ثم طفق يحدثها برفق شديد، وحلم معهود، ورقة بالغة ثم أخبرها أنه يزمع ويعزم على طلاقها.
كسر في ذرعها، وكادت الأرض تميد تحت قدميها من هول المفاجأة، وأشرفت على الانهيار، ذهلت وأحست كأن السماء انطبقت على الأرض،