أكل الدهر عليه وشرب، وقد زايلته ميعته، وولت شرته، ولانت قناته، وطارت شبيبته، وكان زواجه منها وبناؤه بها في نفس اليوم الذي تزوج فيه أصغر أبنائه عبد الله من آمنة بنت وهب.
وفي كل عصر ومصر يكثر ويتواتر تزويج الفتيات الصغيرات من شيوخ كبار في السن متقدمين في العمر في سن آبائهن أو أجدادهن، ويتلقى المجتمع والناس هذه المسائل بالرضى والقبول والتسليم، وهي أحداث مكرورة كثيرة الحدوث، ولم ينكر أحد على أحد، ولم يثرّب إنسان في هذا على أحد بحال.
لكن عندما يكون هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد أن تثور الثورات، وتتفجر الزلازل والبراكين، وتقوم الدنيا في الحال ولا تقعد أبدا، حيث إن المستشرقين يعمدون إلى النيل من هذا الدين، ومن شايعهم من أولئك المغموزين المصدورين الموتورين، وهذا النيل يتمثل في تفنيد الأباطيل والأراجيف والتخرص الكاذب غير الكريم والافتئات على الحق والحقيقة والإنحاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يليق، وهو الذي أعزه الله، ورفع شأنه، وأعلى ذكره في العالمين، ولو كره الكافرون ولو حنق الجاهلون.
كان تزويجه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله بأمر الله، ولم يكن زواجا كما يحدث بين آحاد الناس، إذ إن الله تعالى هو الذي اختار له صلى الله عليه وسلم، ولذلك يطيب لي أن يقول المؤرخون وكتاب السيرة وتراجم النبوة عندما يتعرضون لهذه المسألة: تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا زواجه، وذلك لقوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها «١» .
(١) الأحزاب (٣٣/ ٣٧) قال المفسرون: إن الذي تولى تزويجها هو الله جل وعلا، فلما انقضت عدتها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا إذن ولا عقد ولا مهر ولا شهود. راجع أيضا القرطبي (١٤/ ١٩٥) .