في نفسه لأن ابنته جزء من كيانه، فكيف يتصرف وهو يراها نهبا للحزن المقيم والأسى الملازم الذي لا يريم؟؟
وليس عمر في حيرته بدعا من الرجال في مثل هذه الظروف التي نزلت بساحة ابنته، فإن الأب يتألم لما يؤلم ابنته، ولا يريحه إلا ما يسرّي عنها ويدفع عنها الشر والبلاء.
لم يجد عمر مخرجا من هذه المحنة إلا أن بحث لها عن رجل زوجا صالحا يختاره من الصفوة المختارة من إخوانه ليؤنس وحدتها، ويذهب وحشتها ...
إن ابنة عمر ليس لها مخرج من هذه المحنة إلا بالزواج فقد كانت مثل أبيها مرهفة الحس، رقيقة الشعور، مشدودة الأعصاب. هذه الخلال والخصال الموروثة من الشاق ومن العسير التحرر منها، أو الإفلات من قبضتها ...
فكّر عمر رضي الله عنه في أبي بكر رضي الله عنه، وأخذ يجيل الأمر في ذهنه، وسرى في خاطره مناقب أبي بكر ومحاسنه، وخلقه وشرفه وأريحيته، وسبقه للإسلام ورجاحة عقله، ونظافة أردانه، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وحلمه ورزانته، وحكمته وحصافته، كلها من أطيب النعوت وأكرم المعاني والصفات، فقرر أن يذهب إليه على الفور، غير متردد، ولا متقاعس فإنه غير أبي بكر لا يصلح لحفصة، فإنه بخبرته وهدوئه، ووقاره يحتمل ويستوعب حدتها التي تعتريها أحيانا من غيرة وشدة وصرامة.
حكى وشكا عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه ما أصاب ابنته من حزن وكابة بعد موت زوجها، وأن عمر اختار أبا بكر زوجا لابنته ليخرجها من هذا الحصار المحدق بها من الكابة والترمل.
كان متوقعا ومظنونا وراجحا أن يغتبط أبو بكر بهذا العرض ليتزوج من