وكانت ولادتها بمكة، ونشأت وترعرعت دوحتها في بيت الأشراف، لأنها كانت نسيبة ذات شرف وفخار آباء وأجدادا.
عاشت في بيئة ميسورة لم تعرف الإعسار، ولم تدركها فاقة، فكان ثراؤها معروفا بين بطون العرب، لم يخف عن أحد كالشمس المتألقة في وهج الظهيرة من أموال وتجارة وعروض واسعة.
وقد مات أبوها في حرب الفجار، وقد تزوجت من عتيق بن عائذ بن عبد الله المخزومي فمات وترك لها فتاة في سن الزواج، ثم تزوجت أبا هالة بن زرارة، وتوفي أيضا وترك لها غلاما هو هند بن أبي هالة.
كانت السيدة خديجة- رضي الله عنها- تبعث كل عام بتجارة كثيرة إلى بلاد الشام، وكانت تستأجر الرجال ليقوموا على هذه الشئون بأموالها، وكانت- رضي الله عنها- ذات بصر بالرجال وتقويمهم ومعرفة مدى دربتهم وخبرتهم بالتجارة مع النزاهة والشرف والقناعة والأمانة وعفة النفس، وارتفاع الهمة والاخلاص في العمل.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة من عمره، وهو في ريعان الشباب، وصدره الباكر، خرج في تجارتها إلى سوق بصرى بحوران ليتجر لها، ثم عاد غانما رابحا، وكانت هي في ذلك الوقت في الأربعين من عمرها، فلفت نظرها- وهي البصيرة بتقويم الرجال وسبر أغوارهم- ما كان عليه من خلق قويم، وطهارة وعزة نفس، وحياء وأمانة، فمالت نفسها إليه، ورغبت فيه وتمنت أن يكون زوجا لها.
وفي حياء بالغ، عمدت إلى اختبار مشاعره نحوها فبلغها كل خير، وشجعها هذا على الطلب إلى أحد الأقرباء منها أن يعرضها عليه للزواج منها