"فإنك -زعمت- أن ذلك يشغلك عما له قصدت" وقد يكون بل التصريح والتنصيص بقوله: عما له قصدت من التفهم والاستنباط أنك لا تريد الإكثار من الرواية أكثر من الحجم الذي ذكرته لتتفرغ للدراية، وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم عنده شيء من التوازن، لا يوغل في الرواية فيعنى بها ويغفل عن الاستنباط والاستدلال للمسائل العلمية الذي هو الثمرة العظمى من الرواية، لا يغفل عن هذا فينشغل بالرواية، ولا يعكس، لا يشتغل بالدراية ثم في النهاية يجد نفسه ما حفظ شيء، كما هو صنيع بعض من يعاني الحديث على طريقة الفقهاء، فعليه أن يوازن، يحفظ ما يحتاج إليه، الأحاديث من أصولها بأسانيدها بألفاظها، ويستنبط منها، ويعاني شروحها، ويراجع الشروح؛ لأن بعض الناس ليست له عناية الحفظ، ويعنى بالاستنباط ومراجعة الشروح ويهتم بذلك، ثم إذا انتبه بعد سنين إذا ما في ذهنه شيء، إلا رواية حديث من مائة حديث بالمعنى، كما هو واقعنا وواقع كثير من طلاب العلم؛ لأن العناية اتجهت إلى الاستنباط والدراية، وغفلنا عن الرواية، وبعضهم بالعكس تجده يحفظ مئات بل آلاف الأحاديث يُعنى بحفظ زوائد البيهقي والمستدرك على الكتب، ومع ذلك لو تسأله ما الذي يفيده هذا الخبر؟ ما له عناية؛ لأنه لا يراجع الكتب، لا يراجع الشروح، مراجعة الشروح والإكثار من مراجعة الشروح تولد لدى طالب العلم ملكة يستطيع أن يفهم بها ويشرح أحاديث لم يسبق شرحها، تكون لديه ملكة خلاص أخذ، صار لديه أهلية للشرح، لكثرة معاناته للشروح، فينبغي لطالب العلم أن يوازن بين هذا وهذا.
"عما له قصدت من التفهم فيها والاستنباط منها، وللذي سألت -أكرمك الله- حين رجعت إلى تدبره"