"وسألتني أن ألخصها لك" والتلخيص هو الاختصار يعني قلة الألفاظ مع كثرة المعاني. "أن ألخصها لك في التأليف -يعني في هذا الجمع والتصنيف- بلا تكرارٍ يكثر" الوصف مقصود بيكثر؛ لأن فيه تكرار، لكنه تكرار ليس بكثير، يعني كون الحديث يؤتى به من طريقين من ثلاثة من خمسة من عشر طرق لا يسمى تكرار كثير، نعم هو تكرار لكن القيد الذي ذكره بقوله: يكثر منتفي؛ لأنه يروي الأحاديث من مئات الطرق، ولو أراد الإكثار من التكرار لذكر هذه الطرق كلها، فبعض الأحاديث له مائة طريق، وبعض الأحاديث له أكثر، إلى أن يصل بعضها إلى سبعمائة طريق، فماذا عن الصحيحين لو رويت عن جميع الطرق التي تروى بها من قبل هذين الإمامين، يعني إذا كان حديث:(الأعمال بالنيات) أبو إسماعيل الهروي يقول: أنه يرويه عن يحيى بن سعيد سبعمائة شخص، وإن كان الحافظ بن حجر يشكك في هذا العدد، ويقول: إنه منذ بداية الطلب لم يقدر على تكميل المائة، على كل حال في أحاديث صرح ابن حجر وغيره أنها تروى من مئات الطرق، وقوله:"يكثر" لكن طلاب العلم حينما يقرؤون في الصحيح، في صحيح مسلم ويجدون في بعض الأحاديث مكررة من عشر طرق، يقولون: وين هذا القيد الذي يقول: "يكثر"؟ العشر كثيرة؟ نعم كثيرة بالنسبة لهممنا، أما بالنسبة لهم هذه لا شيء، يعني هذا صنفه الإمام مسلم مثل المتن، مثل الأربعين عندنا، ما في تكرار ولا فيه طول أسانيد، شيء يسير بالنسبة لنا مثل الأربعين، يقول: ما فيه تكرار يكثر في بعض الأحاديث من عشرة طرق، نعم ليس فيه تكرار يكثر بالنسبة لهم -رحمة الله عليهم-.
"فإن ذلك زعمت" يعني حسبما قلت، والزعم يطلق ويراد به القول، ولا يلزم منه أن يكون القول مشكوكاً فيه، نعم قد يطلق ويراد به التشكيك في القول، ((بئس مطيّة القوم زعموا)) لكنه في الأصل يطلق ويراد به ما يوازي القول، وكثيراً من يقول سيبويه: زعم الكسائي ثم يوافقه، فهل يشكك في قوله ثم يوافقه؟ لا.
"فإن ذلك -زعمت- مما يشغلك" كأنه قال له: أريد أن تجمع لي أحاديث أحفظها وأعمل بها ولا تكثر عليّ لأن هذا يشغلني؛ لأنه كأنه عنده أعمال أخرى، مشتغل بأمور دنياه أيضاً، فألف له هذا الكتاب المناسب للمشغولين، ما هو للمتفرغين.