اختلف الشراح في مراد الإمام مسلم بالأقسام الثلاثة، وهل ذكرها كلها في كتابه، أو ذكر طبقتين الأولى والثانية، واخترمته المنية، أو اقتصر على القسمين دون الثالث؟ لأن التقسيم الذي أشرنا إليه واضح في المقدمة، أنه ذكر ثلاثة أصناف من الرواة، ذكر الحفاظ المتقنين، وذكر المستورين المتوسطين، وذكر الضعفاء والمتروكين، فهل استوعب هذه الثلاث، أو يفهم من كلامه أن الطبقات الثلاث لم يعرج على روايتهم، وإنما ذكرهم للتحذير منهم؟
على كل حال الشراح يختلفون في هذا، والنووي في مقدمة الشرح في صفحة (٢٣) بين شيء من هذا، صفحة (٢٣ و٢٤).
قال -رحمه الله-: "ذكر مسلم -رحمه الله- في أول مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام، الأول: ما رواه الحفاظ المتقنون، والثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان، والثالث: ما رواه الضعفاء والمتروكون، وأنه إذا فرع من القسم الأول أتبعه القسم الثاني، وأما الثالث فلا يعرج عليه. فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم، فقال الإمامان الحافظان أبو عبد الله الحاكم وصاحبه أبو بكر البيهقي -رحمهما الله-: أن المنية اخترمت مسلماً -رحمه الله- قبل إخراج القسم الثاني، وأنه إنما ذكر القسم الأول".
لأن القسم الثاني: متوسطون مستورون دون الطبقة الأولى، وإنما ذكر القسم الأول واقتصر عليه واخترمته المنية قبل أن يذكر أصحاب القسم الثاني.
قال القاضي عياض -رحمه الله-: وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم أبي عبد الله وتابعوه عليه، قال القاضي: وليس الأمر على ذلك لمن حقق نظره ولم يتقيد بالتقليد، فإنك إذا نظرت تقسيم مسلم في كتابه الحديث على ثلاث طبقات من الناس كما قال، فذكر أن القسم الأول حديث الحفاظ، وأنه إذا انقضى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم، ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الأكثر منهم على تهمته، ونفى من اتهمه بعضهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا، ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين.