للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما فأهلكوا بالطاغية فالباء فيه للسببية أي أهلكوا بالفعلة الطاغية وهي الكفر أو عقر الناقة والطاغية من طغى إذا تجاوز الحدّ وغلب ومنه تسمية الملك والعاتي بالطاغية وقوله {إنا لما طغى الماء} وقال تعالى: {كذبت ثمود بطغواها} أي بسبب طغيانها حصل تكذيبهم ويمكن أن يراد بالطاغية الرّجفة أو الصّيحة لتجاوز كل منهما الحدّ.

ظاهر العطف بالفاء أنّ التولي كان بعد هلاكهم ومشاهدة ما جرى عليهم.

انتصب لوطاًفَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّصِحِينَ * وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَلَمِينَ} بإضمار وأرسلنا عطفاً على الأنبياء قبله و {إذ} معمولة {لأرسلنا} وجوز الزمخشري وابن عطية: نصبه بواذكر مضمرة زاد الزمخشري أنّ {إذ} بدل من لوط أي واذكر وقت قال لقومه، وقد تقدم الكلام على كون إذ تكون مفعولاً بها صريحاً لأذكر وأنّ ذلك تصرف فيها والاستفهام هو على جهة الإنكار والتوبيخ والتشنيع والتوقيف على هذا الفعل القبيح و {الفاحشة} هنا إتيان ذكران الآدميين في الادبار ولما كان هذا بالفعل معهوداً قبحه ومركوزاً في العقول فحشه أتى معرفاً بالألف واللام أو تكون أل فيه للجنس على سبيل المبالغة كأنه لشدة قبحه جعل جميع الفواحش ولبعد العرب عن ذلك البعد التام وذلك بخلاف الزنا فإنه قال فيه: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة} فأتى به منكراً أي فاحشة من الفواحش وكان كثير من العرب يفعله ولا يستنكرون من فعله ولا ذكره في أشعارهم والجملة المنفية تدّل على أنهم هم أول من فعل هذه الفعلة القبيحة وأنهم مبتكروها والمبالغة في {من أحد} حيث زيدت لتأكيد نفي الجنس وفي الإتيان بعموم العالمين جمعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>